المزيد
من الخيارات

مشروع هيئة بحثية واستشارية لدعم صانعي القرار في سورية في مجال العلاقات الدولية

مشروع هيئة بحثية واستشارية لدعم صانعي القرار في سورية في مجال العلاقات الدولية
التصنيف: لجنة الاقتصاد والقانون
تاريخ النشر يونيو 21, 2025
المحرر: Rannem Bakir

مشروع هيئة بحثية واستشارية لدعم صانعي القرار في سورية في مجال العلاقات الدولية


حمل المقال كملف Pdf

الملخص:

تتضمن صناعة القرار في مجال العلاقات الدولية مجموعة من الخطوات والإجراءات التي تتخذها الدولة لاتخاذ قرار بشأن سياساتها على المستوى الدولي، وتكتسي هذه المرحلة أهمية بالغة انطلاقًا من تأثيرها إيجابًا أو سلبًا على التزامات الدولة وعلاقاتها مع أشخاص القانون الدولي، الأمر الذي يتطلب بذل العناية القصوى في هذه المرحلة، والبحث والتقصي عن البدائل والمفاضلة فيما بينها، وذلك في سبيل اتخاذ القرارات المنسجمة مع أحكام ومبادئ القانون الدولي، وبما يحقق مصالح الدولة العليا ولا يتعارض مع مصالح المجتمع الدولي ككل.

أثبتت الدراسات البحثية المتخصصة دورها البارز في دعم صانعي القرار في مختلف الدول، لا سيما في الولايات المتحدة التي تحتل المرتبة الأولى عالميًا في عدد المراكز البحثية، وتبني مخرجاتها في صناعة القرار، في حين تفتقر سورية للمراكز البحثية المستقلة عدا تلك التي تتبع للجامعات والتي يغلب على دراساتها الطابع الأكاديمي لا التطبيقي الداعم لصانعي القرار، وفي ظل سياسات حكم النظام البعثي، تم تحييد الباحثين والأكاديميين عن دوائر صنع القرار، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ قرارات تتسم بالعشوائية وعدم الدقة والموضوعية على مدار أكثر من خمسة عقود، كما أنه جعل من سورية بيئة خصبة للبحث والتنقيب، وهذا ما يستلزم العمل على إصلاح هذا الجانب، وذلك من خلال خلق وتهيئة البيئة البحثية الداعمة لدوائر صنع القرار في سورية في مجال العلاقات الدولية كـ (رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية)، بعد انتصار الثورة السورية وبدء العمل على بناء الدولة السورية الجديدة، وتماشيًا مع الضرورة القصوى لصناعة قرارات مستنيرة ترمي لبناء وتوطيد وترميم العلاقات السورية مع أعضاء المجتمع الدولي.  أُعد هذا التقرير لبيان أهمية الدراسات البحثية في دعم صانعي القرار في مجال العلاقات الدولية عمومًا وفي سورية على وجه الخصوص، وتقديم التجربة الأمريكية الرائدة في هذا الشأن، وصولًا إلى بيان دور المجلس العلمي السوري عبر اقتراح هيئة استشارية من المتخصصين، تهدف لدعم صانعي القرار في سورية في مجال العلاقات الدولية، من خلال تقديم التوصيات الشفهية والمكتوبة وورشات العمل، والتشبيك مع المراكز البحثية العالمية.

المقدمة:

تلعب الدراسات البحثية المتخصصة المُعدّة في مختلف المجالات دورًا بارزًا في دعم صانعي القرار في مختلف الدول، لا سيما فيما يتعلق بدعم ركائز العلاقات الخارجية وتطوير أدوات التفاوض على المستوى الدولي، إضافة إلى تقييم مصالح الدولة قبل اتخاذ القرار بالانخراط في المفاوضات أو التصديق أو الانضمام إلى الأحلاف والاتفاقيات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف، وذلك بما لا يضر مصالح الدولة (كحرمانها من المزايا والحقوق التي تكتسبها في هذا الشأن، ولا يرهق الدولة في التزامات يفوق عبء الوفاء بها مصالح تلك الدولة، أو ما يجعلها مقيدة ومرتهنة لمصالح الدول الأخرى)، إضافة إلى تحقيق التوازن فيما بين مصلحة الدولة وبين المصالح التي تهم الدول الأخرى من جهة، ومصالح المجتمع الدولي ككل من جهة أخرى (بما لا يجعلها متخلفة عن الوفاء بالالتزامات التي تهم المجتمع الدولي بأسره لا سيما الهادفة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين).

تعتمد العديد من الدول الغربية المتقدمة على نتاج الدراسات البحثية المتخصصة في مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية في إطار عملية صنع القرار، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، كما يظهر التنافس في الشرق الأوسط لجهة إنشاء المراكز البحثية ودعمها لتكون رديفًا داعمًا لصانعي القرار، لا سيما بين إيران وإسرائيل وتركيا، بينما غاب هذا الدور في سورية، لا سيما زمن حكم النظام البعثي، والذي تبنى العمل على الانفرادية في صنع القرار في مختلف المجالات، بالتوازي مع حظر إنشاء مراكز الأبحاث والدراسات المستقلة، وتحييد دور الأكاديميين من أساتذة الجامعات عن مراكز صنع القرار، والإبقاء على ثلة قليلة من أصحاب المصالح الشخصية، وممن يقدمون الاستشارات المتخصصة بما يواءم غايتهم الشخصية الضيقة ومصالح السلطة البعثية وإن كانت تتعارض مع مصالح الدولة العليا، الأمر الذي أدى إلى صناعة قرارات تتسم بالعشوائية والوقتية والتناقض مع الواقع السوري في مختلف المجالات لا سيما على المستوى الدولي.

عرض المشكلة:

ظلت عملية صناعة القرار في سورية تحاك في غرف صغيرة ومظلمة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتعقدت تلك العملية مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، حيث لم يعد الأمر قاصرًا على الانفرادية في صناعة القرار، وإنما أدى التشبيك الضئيل مع ثلة قليلة من الأكاديميين المتخصصين من أصحاب المصالح وأصحاب الولاء المطلق للسلطة، وكذلك دخول مبادئ وأفكار ومحددات جديدة مُضللة تتضارب مع المصلحة العامة للدولة، وتدور تلك المحددات في جوهرها حول قداسة جديدة لداعمي النظام البعثي، والذي انتهى في نهاية المطاف إلى سقوط النظام البعثي بعد إنهاك سورية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا واجتماعيًا وثقافيًا.

وفي ظل انهيار وسقوط النظام البعثي، ونجاح الثورة السورية، والواقع الذي تعيشه سورية في طور بناء الدولة على أنقاض مخلفات النظام البعثي، يسلط هذا التقرير الضوء على أهمية التشبيك مع أصحاب الخبرات العلمية المتخصصة في مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية في إطار عملية صناعة القرار، وذلك من خلال إثارة ومعالجة التساؤلات التالية:

  • ما الدور الذي تلعبه الدراسات البحثية المتخصصة في عملية صناعة القرار في مجال العلاقات الدولية في مختلف الدول، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية؟
  • مدى اعتماد صانعي القرار في سورية على الدراسات البحثية المتخصصة في عملية صناعة القرار في مجال العلاقات الدولية (1970- 2025)؟
  • مدى أهمية اعتماد مخرجات الدراسات البحثية المتخصصة في دعم صانعي القرار في مجال العلاقات الدولية في إطار بناء الدولة السورية، وكيف للمجلس العلمي السوري أن يكون داعمًا في هذا الشأن؟

أولًا- مكانة الدراسات البحثية المتخصصة في عملية صناعة القرار في التجربة الأمريكية في مجال العلاقات الدولية 

انتشرت مراكز الدراسات في أغلب دول العالم، وبلغ عددها سنة 2007 ما مجموعه 5.035 مركز دراسات في 169 دولة، وارتفع العدد سنة 2020 إلى 11.175 مركزًا، أي بمعدل زيادة سنوية تصل إلى 472 مركزًا بحثيًا، أما في الشرق الأوسط، فقد كان هناك 373 مركزًا بحثيًا في المنطقة العربية، بما فيها فلسطين المحتلة، سنة 2020، وهو ما يشكل ما نسبته 3.33% من مجموع مراكز العالم، وتعد أدنى نسبة بين أقاليم العالم. وبالمقارنة مع (إسرائيل) نجد أنها تحتل المرتبة الثانية في الشرق الأوسط بعد إيران، فلديها 78 مركزًا بحثيًا مقابل 87 في إيران و53 في تركيا، وتتوزع هذه المراكز بين المراكز الأكاديمية والحكومية وغير الحكومية (المستقلة)، وهو ما يعني أن إسرائيل تضم 20.9% من مراكز الدراسات في المنطقة . وهذا ما يشير إلى التنافس في عدد المراكز البحثية المتخصصة في الشرق الأوسط.

برز الاهتمام الغربي كنموذجٍ بارزٍ في الاعتماد على نتاج الدراسات البحثية المتخصصة في صناعة القرار في مجال العلاقات الدولية، حيث هيمنت مراكز الأبحاث الأمريكية والبريطانية على غيرها، إذ يوجد ما يقرب 51% من مراكز الأبحاث في العالم في الولايات المتحدة وأوروبا. وتتوزع في العاصمة واشنطن نحو (408 مركزًا)، وولاية ماساتشوستس (176 مركزًا)، أي أكثر مما هو موجود في الهند التي الدولة الثانية في العالم من حيث عدد مؤسسات التفكير البالغ عددها (509 مركزًا بحثيًا).

تحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى في إجمالي عدد مراكز الأبحاث والدراسات في العالم، لذلك سنستعرض بعض الحالات في التجربة الأمريكية للاستفادة من هذه التجربة في سورية.

مثال 1: وفي هذا السياق، تبنى الرئيس الأمريكي الأسبق (بيل كلينتون)، مخرجات الدراسات والأبحاث التي قدمها الباحث والمفكر الأمريكي (روبرت كابلان) ، تجاه البلقان زمن تولي كلينتون رئاسة البلاد بين 1993 و2001، رُفض كتاب كابلان (أشباح البلقان) من قبل العديد من المحررين قبل نشره عام 1993، ولكن بعد اندلاع الحروب اليوغوسلافية، شوهد الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون مع كتاب كابلان تحت ذراعه، وقال مطلعون ومساعدون مقربون في البيت الأبيض أن الكتاب أقنع الرئيس كلينتون بعدم التدخل في البوسنة، مؤكدًا أن الصراعات في البلقان كانت مبنية على كراهية قديمة خارجة عن أي سيطرة خارجية، وهذا ما أخذت به الإدارة الأمريكية آنذاك.

مثال 2: وفي مكان آخر، ساعد الباحث كابلان في صياغة وثيقة حكومية داخلية تدعو إلى غزو العراق، وخلص في وقت لاحق إلى أن الحرب كانت خطأ وأعرب عن أسفه العميق لدعمها، وهذا ما ظهر جلياً في السياسة الخارجية الأمريكية في هذا الشأن. وفي مثالٍ ثالثٍ عن تأثير الأبحاث على السياسة الأمريكية، جاءت دراسة أخرى لكابلان كانت قد نُشرت عام 2010، تحت عنوان: الرياح الموسمية: المحيط الهندي ومستقبل القوة الأمريكية. والتي خلص من خلالها إلى أن المحيط الهندي كان مركزًا للقوة لفترة طويلة، وأن التحول إلى المحيط الأطلسي يمكن اعتباره حالة شاذة سيتم تصحيحها في السنوات المقبلة، مضيفًا أنه يجب على الولايات المتحدة لكي تحافظ على قوتها في المحيط الهندي وأن تربط أهدافها بأهداف شعوب العالم النامي، ومَنْ يراقب محددات السياسة الخارجية الأمريكية وتحولاتها سيجد أنها متأثرة بشكل كبير بالدراسات المذكورة.

وفي مثالٍ أخير، عن دور مخرجات الدراسات البحثية المتخصصة في صناعة القرار الأمريكي في مجال السياسة الخارجية، فقد تأثرت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب، في ولايته السابقة، بالتوصيات المقدمة من قبل مركز الدراسات Heritage Foundation، والتي لعبت دورًا بارزًا في دفع إدارة الرئيس ترمب للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ. كما أشار مركز التقدم الأمريكي Center for American Progress  إلى نقاط القصور في إدارة ترمب فيما يخص قضايا الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات، وبناء عليه أوصت الدراسات الصادرة عن المركز المذكور، باتخاذ إدارة الرئيس ترمب إجراءات فعالة لضبط هذه القضايا، وهذا ما يبدو جليًا في اهتمامات إدارة الرئيس ترمب الحالية.

ثانيًا- دور الدراسات البحثية المتخصصة في عملية صناعة القرار في سورية في مجال العلاقات الدولية (1970- 2024) 

افتقرت سورية لوجود مراكز الأبحاث والدراسات المستقلة، منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى نجاح الثورة السورية في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، حيث اقتصرت البيئة البحثية على مراكز الأبحاث التابعة للجامعات السورية فقط، والتي يغلب على دراساتها الطابع الأكاديمي بعيدًا عن القضايا التطبيقية والممارسات العملية للسياسات، يضاف إلى هذا انعدام حرية الرأي والتعبير مما حد من قدرة الباحثين المتخصصين لمعالجة تلك القضايا، وبالتالي انعدام المساهمة البحثية الموضوعية في صناعة القرار في سورية في مجال العلاقات الدولية.

وعلى الرغم من وجود الدراسات المنفردة المعدة من قبل بعض الأكاديميين (وهم قلة) ممن تربطهم مصالح شخصية ويخضعون للإملاءات السلطوية زمن حكم النظام البعثي، إلا أن توصيات ومخرجات تلك الدراسات كانت تصب في خانة المصالح الضيقة للطبقة السلطوية الحاكمة مبتعدةً عن الاهتمام بصنع القرارات الرامية لتحقيق المصلحة العليا للبلاد، حيث كانت القضايا الملحة “عصية على أي مقاربة بحثية موضوعية مستقلة”، مما أفرز مخرجاتٍ بحثيةٍ وتوصياتٍ ما هي إلا إعادة تدوير للأفكار والمبادئ والمحددات التي رسمتها السلطة الحاكمة، وأملتها على أولئك الباحثين المقربين منها، وذلك على الرغم من تعارضها مع المصلحة العليا للبلاد وتماشيها مع مصالح الطبقة الحاكمة وشركائها.

أدى هذا الواقع زمن حكم البعث إلى سحب المهام وتقليص سلطات الوزراء والعاملين في مجلس الوزراء، فتتخذ أغلبية القرارات في مكتب رئيس الوزراء أثناء الاجتماع بالقيادات الحزبية والأمنية، الأمر الذي أنتج قرارات ومواقف رسمية متأرجحة بين التأجيل والإلغاء بعدما تبين عدم تطابقها مع الواقع.

ومع انطلاق الثورة السورية عام 2011، استفحلت شبكات الفساد، ثم تضافرت مع العديد من العوامل، منها قداسة جديدة للاعبين تبدلت ظروفهم ولاعبين جدد كداعمي النظام البعثي والشبكات المحلية المرتبطة بهم، وأصبحت خطوط صناعة القرار أضيق ومتضاربة، بالتالي انحصرت في مجموعة من اللاعبين، باتوا يملون على الطرف الداخلي الخطوط التي من الممكن التحرك ضمنها، لتتوسع هذه الشبكات وتصبح أعمق من ذي قبل، بل إن الأطراف المتنازعة على صناعة القرار باتت تتعامل مع بعضها تحت بنود تسوقها المصالح والأموال. 

إن إقصاء النخبة من الأكاديميين المتخصصين في مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية في دعم صانعي القرار في سورية زمن حكم النظام البعثي، قد أدى إلى تشويه الحقائق وظهور مقاربات غير موضوعية في صناعة القرار وتبرير القرار للمجتمع، والتي تحتاج إلى دراسات متخصصة تجري مقاربات موضوعية لقياس أثرها ومدى توافقها مع مصالح الدولة العليا في المقام الأول.

ثالثًا- أهمية اعتماد مخرجات الدراسات البحثية المتخصصة في دعم صانعي القرار في مجال العلاقات الدولية في إطار بناء الدولة السورية 

تشكل سورية بيئة ذات وفرة غزيرة في المواد الخام التي يمكن أن تكون منطلَقًا ومحلًا للبحث والمقاربات المبنية على أسس علمية وموضوعية منظمة، وذلك انطلاقًا من أن البلاد كانت صندوقًا مُقفلًا منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى نجاح الثورة السورية أواخر العام 2024، إضافة إلى الحاجة لهذه الدراسات في ظل العمل على بناء الدولة السورية على أنقاض تركةٍ من العلاقات الدولية الهشة التي خلفها النظام البعثي، والتي أدت إلى إرهاق الدولة السورية بالتزامات لا يتناسب عبء الوفاء بها مع مصالح الدولة السورية.

مما لا ريب فيه، من أن انطلاق الحكومة السورية في المراحل المقبلة باتجاه العمل على تهيئة البيئة البحثية المناسبة لإنشاء ودعم مراكز الأبحاث في سورية وتنظيمها، وعدم الاكتفاء بمراكز الأبحاث التابعة للجامعات، يعد من الحلول الناجعة لدعم صانعي القرار في مختلف المجالات، ومن بينها السياسة الخارجية، إلا أن هذه الحلول تعد من الحلول طويلة الأجل حتى تنعم السياسة السورية بثمارها، وذلك نظرًا للتحديات الآتية:

التحديات:

  1. الحاجة للدعم المالي غير اليسير في مرحلة إعادة الإعمار في الوقت الراهن.
  2. الحاجة للكوادر البشرية من ذوي الخبرات التخصصية في مختلف المجالات، والذي يرتبط بملفات لا تزال عالقة أبرزها عودة المهجرين واللاجئين السوريين في مختلف الدول.
  3. تهيئة البيئة الداخلية المستقرة والمستدامة، والتي ترتبط بتسوية الملفات مع القوى الخارجية بالدرجة الأولى.

وبناء على عدم توفر البيئة المناسبة لإنشاء ودعم مراكز الأبحاث والدراسات في سورية للأسباب المذكورة أعلاه، لا بد من إيجاد آليات بحثية منظمة يكون من شأنها دعم صانعي القرار في مجال السياسة والعلاقات الخارجية بهدف إعادة تقييم العلاقات التي تربط الجمهورية العربية السورية مع الدول الأخرى، الإقليمية والعالمية، إضافة إلى إعادة تقييم وضع ومصالح سورية في الأحلاف التي انضمت أو التي لم تنضم إليها، إضافة إلى إعادة تقييم وضعها بالنسبة للمعاهدات الثنائية والمتعددة الأطراف القائمة التي سورية أحد أطرافها، وكذلك المعاهدات التي ليست طرفًا فيها، وذلك بعد إجراء المقاربات السياسية والقانونية الرامية لتحقيق مصلحة الدولة العليا، وهذا ما يمكن للمجلس العلمي السوري تقديمه وفقًا للحلول والمقترحات التالية.

رابعًا- الحلول والمقترحات

في إطار الحديث عن وجوب خلق آليات بحثية منظمة تهدف لدعم صانعي القرار في مجال السياسة الخارجية في سورية، وفقًا لمقتضيات المرحلة الراهنة في سورية، يمكن للمجلس العلمي السوري أن يساهم بالتعاون المباشر مع دوائر صنع القرار في مجال السياسة الخارجية في سورية، لا سيما رئاسة الجمهورية العربية السورية ووزارة الخارجية والمغتربين، وإمدادهم بالدراسات البحثية المتخصصة والاستشارات، حيث إن المجلس العلمي السوري على استعداد لإنشاء هيئة بحثية واستشارية متخصصة في العلاقات الدولية تنبثق عنه، وتضم مجموعة من الأكاديميين والمتخصصين في مجالات: (المعاهدات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف- العلاقات السورية الآسيوية والشرق أوسطية- العلاقات السورية الأوروبية- العلاقات السورية العربية- العلاقات السورية الروسية/ الأمريكية).

وتتولى هذه الهيئة بالتعاون مع الهيئات الحكومية السورية تنفيذ المهام التالية:

  • إعداد وتقديم الدراسات العلمية المتخصصة بناء على جدول زمني مستدام وطويل الأجل يتناول معالجة كافة المواضيع وتنفيذ المهام الموكلة للفرق الأكاديمية العاملة في الهيئة، وترتيب أولوية دراسة المواضيع محل المعالجة بحسب رؤية إدارة المشروع بعد التشاور مع الباحثين الأعضاء، وتزويد صانعي القرار بها بشكل دوري ومنتظم.
  • إعداد وتقديم الدراسات العلمية المتخصصة والاستشارات الآنية (الفورية) بناء على طلب صانعي القرار وأولوية معالجتها وتقديم التوصيات بشأنها بحسب رؤية دوائر صنع القرار في رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية.

يرتبط نجاح هذا المشروع بمدى القدرة على خلق وتهيئة قنوات التواصل بين المجلس العلمي وصانعي القرار في سورية، وتأكيدًا على أهمية هذه القنوات، فقد أورد الباحث الأمريكي (هوارد ويراردا) في كتابه حول السياسة الخارجية، قائلًا: “تتحرك الحكومة عن طريق الرسائل والخطابات المكتبية، وإذا كان المسؤول في وزارتي الخارجية أو الدفاع أو المخابرات أو مجلس الأمن القومي مطلعًا على دراستك أو بحثك، وهي مفتوحة أمامه، وهو يعد خطابًا لمديره أو حتى للرئيس، أو يفكر في إحدى القضايا، فإن لديك فرصة ضخمة للتأثير عليه وعمه في صناعة القرار، كأن يتبنى أو يقتبس بعض أفكارك أو تحليلاتك، وفي المقابل إذا لم تكن دراستك على مكتبه، أو الأسوأ من ذلك إذا كنت لا تعرف هذا الشخص ولا تراسله بدراساتك وأبحاثك، فلا توجد أي فرصة لدعمه أو للتأثير عليه، إنها معادلة بسيطة وواضحة”. وبناء على هذه الرؤية التعاونية بين الأكاديميين والسياسيين، نقترح التعاون لتفعيل الهيئة الاستشارية في المجلس العلمي السوري والذي يهدف بشكل عام لـ:

  • ربط العلم بصناعة القرار: تحويل البحوث العلمية إلى سياسات قابلة للتطبيق ومبنية على البيانات.
  • ضمان البراغماتية وسرعة العلم: بعيدًا عن تعقيدات العمل الجامعي الأكاديمي، يقدم الأكاديميون خلاصة الأبحاث العلمية التي تعلموها وأجروها، في هياكل مستقلة عن الجامعات.
  • ضمان الحيادية والاستقلالية: إذ يعمل المجلس بمعزل عن الانتماءات السياسية أو الأجندات الحزبية.
  • إشراك الكفاءات السورية: تسخير الخبرات والمعرفة التي اكتسبها العلماء والخبراء السوريون في الجامعات والمراكز البحثية العالمية لصالح عملية إعادة البناء في سورية.

الخاتمة

تعد المراكز البحثية الاستشارية والتي تعنى بإعداد الدراسات المتعلقة بالسياسة الخارجية، عوامل ذات ارتباط مهم فيما يتعلق بإنتاج الأفكار، حيث  إن وظائفها ليست مجرد نظرية بحتة بل إن هدفها يتمثل في إحداث تأثيرات ملموسة أو تكوين رأي أو اقتراح سياسات عامة تدعم صانعي القرار في مجال بناء العلاقات الدولية. تعمل هذه المؤسسات جاهدة لإنتاج دراسات تجمع بين النظرية والممارسة في سبيل تقديم توصيات ومخرجات قابلة للتطبيق في الواقع العملي، وتساهم في تحقيق مصلحة الدولة العليا، وهذا ما يمكن للمجلس العلمي السوري تقديمه عبر تشكيل هيئة استشارية في العلاقات الدولية تعدف لدعم صانعي القرار في سورية في مجال العلاقات الدولية، وذلك في إطار المساهمة الفعالة في بناء الدولة السورية، وهو ما كان موضوع هذا التقرير.

بناء على ما تقدم يوصي التقرير بما يلي:

  • خلق وتفعيل وتهيئة قنوات التواصل بين المجلس العلمي السوري ودوائر صنع القرار المتعلق بالسياسة الخارجية في رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والمغتربين في سبيل البدء بتنفيذ هذا المشروع.
  • تقدم الهيئة الاستشارية للعلاقات الدولية استشارات دورية وورشات عمل وحلقات نقاش متعلقة بالسياسة الخارجية للاستماع للمقترحات ومناقشتها، وخلق آليات التعاون.
  • التعاون والتشبيك مع النخب الأكاديمية المتخصصة في مجال العلاقات الدولية داخل وخارج سورية لتنفيذ المشروع، ومنحها مساحة غير مقيدة من الحرية الفكرية والبحثية، في سبيل إنتاج دراسات علمية متخصصة وتقديم مخرجات مبنية على أسس علمية وموضوعية تصب في مصلحة الدولة السورية.

المؤلف:
د. علي سهو

التدقيق العلمي:
مصطفى قره حمد

التدقيق اللغوي:
عدنان عبد الله

تم النشر ضمن لجنة الاقتصاد والقانون
السابق
كل المقالات
التالي