المزيد
من الخيارات

استبيانات دورية مع خريجي الجامعات السورية: نحو تحسين جودة التعليم العالي السوري ودرجة توافقه مع سوق العمل

استبيانات دورية مع خريجي الجامعات السورية: نحو تحسين جودة التعليم العالي السوري ودرجة توافقه مع سوق العمل
التصنيف: غير مصنف
تاريخ النشر سبتمبر 29, 2025
المحرر: aliaa jadd

استبيانات دورية مع خريجي الجامعات السورية: نحو تحسين جودة التعليم العالي السوري ودرجة توافقه مع سوق العمل

أولاً المقدمة:

المشكلة

تشير نتائج استبيانات مشروع “البوصلة الأكاديمية السورية” سواء في أقسام اللغات أو أقسام العلوم التطبيقي إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة الخريجين الذين يعملون في مجالات لا تمت لتخصصاتهم العلمية بصلة (56٪؜ من المشاركين في الاستبيان من أقسام اللغات و40% من أقسام العلوم التطبيقية) . تشير بيانات واستبيانات أخرى مع خريجين من كليات الهندسة، بالإضافة إلى دراسات أجراها باحثون من كليات الاقتصاد، لوجود ظاهرة مشابهة في هذه الكليات. تعكس هذه الظاهرة فجوة بين مخرجات التعليم الجامعي ومتطلبات سوق العمل، وتسلّط الضوء على الحاجة الملحة لمراجعة أساليب ومنهجية التعليم العالي في سوريا، من خلال تتبّع المسارات المهنية والأكاديمية للخريجين بعد التخرج.

لا يركز التقرير على شح الوظائف وانحسار سوق العمل (والذي بالطبع يشكل تحدياً كبيراً للخريجين العاملين داخل وخارج البلاد وليس بالضرورة مرتبط بسوق العمل السوري، فهي مشكلة يعاني من بعض تبعاتها الخرجين السوريين العاملين خارج سوريا أيضاً) وإنما يلفت النظر إلى الفجوة بين الخريجين و المهارات اللازمة للانخراط في سوق العمل، واقتراح حلول قد تساهم في تدارك هذه المشكلة.

تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة في هذا السياق وهي أنه كلما زاد التوافق بين المهارات والكفاءات المطلوبة في سوق العمل والمكتسبة خلال الدراسة الجامعية، كلما ساهم هذا الأمر في النمو الاقتصادي والنهضة المستقبلية في سوريا. لذلك فإن من الحكمة العمل على سد هذه الثغرة بالتوازي مع الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده البلاد وكذلك المشاريع الاستثمارية التي من شأنها ليس فقط تأمين فرص عمل كبيرة بل أيضاً فتح آفاق جديدة لم تكن موجودة من قبل والتي تتماشى مع سوق العمل في الدول الإقليمية والعالمية.

المتاح حالياً بما يتعلق بالمشكلة

توجد حالياً مكاتب خريجين في بعض الكليات في الجامعات السورية الحكومية، وتمتلك هذه المكاتب بيانات عن الخريجين من مختلف الأقسام. إلا أن دورها لا يزال محدودًا ويحتاج إلى تفعيل أكبر، من خلال تنظيم أنشطة دورية وفتح قنوات تواصل مستمرة مع الخريجين.

الحل المقترح للمشكلة

تدعو هذه الورقة إلى تعميم فكرة الاستبيانات الدورية مع الخريجين، والتي طبقها مشروع “البوصلة الأكاديمية السورية” بشكل محدود مع خريجين سوريين من أقسام اللغات وأقسام العلوم التطبيقية من العاملين في المغترب. يدعو التقرير إلى تطبيق هذه الاستراتيجية على مستوى وطني في الجامعات الحكومية السورية، من خلال إطلاق سلسلة استبيانات دورية تُنشر عبر الأقسام والكليات، وتُوجَّه إلى الخريجين بهدف رصد تطور مساراتهم المهنية والأكاديمية. يهدف هذا الإجراء إلى تعزيز جودة التعليم العالي، وتمكين الجامعات من تعديل مناهجها وآلياتها بما يتماشى مع حاجات سوق العمل المحلي والدولي.

كما يمكن أن تكون هذه الاستبيانات جزءاً من منظومة جودة التعليم الجامعي في أقسام إدارة الجودة التابعة للجامعات أو لوزارة التعليم العالي. تُعدّ جودة التعليم في الجامعات من الركائز الأساسيّة في تعزيز مكانتها الأكاديميّة وضمان تطوّرها المستدام. وفي هذا السّياق، يبرز دور أنظمة إدارة الجودة (Quality Management)، كأحد أبرز الآليات المؤسسيّة لضمان التميّز الأكاديميّ وتطويره المستمر.  يهدف هذا النظام إلى تحقيق النجاح على المدى المتوسط والطويل في مجالات الدراسة والتعليم، وبحث النشء العلمي، والخدمات، والإدارة. 

ثانياً: الوضع الحالي:

فجوة بين التعليم الأكاديمي وسوق العمل السوري

كشف د. حسن حجازي في دراسة نشرها في مجلة جامعة تشرين العلمية، أن الزيادة الكبيرة في أعداد الخريجين لم تترجم إلى تنمية حقيقية بسبب غياب التنسيق بين المؤسسات التعليمية ومتطلبات سوق العمل، مما أنتج مشكلة للخريجين في سوق العمل . ووجد باحثون آخرون في المجلة ذاتها، ارتباطاً ذات دلالة إحصائية قوية بين عدد الخريجين ونسبة البطالة في سوريا ، خاصة بين خريجي الجامعات الحكومية. ومن خلال إجراء مسح لبعض أرباب العمل في القطاع الخدمي، توصل باحثون سوريون كذلك، إلى ضعف عام في مهارات الخريجين (المهنية، العملية، والمعرفية)، حيث أجاب أرباب العمل في قطاعات مختلفة أنهم لا يجدون الكفاءات المطلوبة بين الخريجين. وفي دراسة حالة مع خريجي العلوم الاقتصادية على وجه التحديد، توصل الباحثون أن الخريجين يفتقرون إلى المهارات المهنية والعملية مقارنة بما يحتاجه السوق، وهو دليل على وجود فجوة بين المهارات الأكاديمية ومتطلبات العمل. وهو واقع أكده عدة مسؤوليين و أكاديميين سوريين في مقابلات صحفية سبقت سقوط النظام في ديسمبر عام 2024، حيث أكدوا أن الربط بين الجامعات وسوق العمل ما زال ضعيفاً، أكدوا على أهمية دعم تطوير التدريب العملي وصبّ الاهتمام خلال السنة الأخيرة من الدراسة على المهارات المهنية. وأكدت تقارير صحفية أخرى، صادرة عن منصات معروفة بمعارضتها للنظام السوري السابق، أن المنهجية النظرية والمناهج القديمة للجامعات السورية، تُبعد الخريجين عن سوق العمل، وتزيد من احتمالات البطالة. كما أشارت منصة رصيف 22 بتقرير نُشر عام 2018 في مقابلة مع مسؤولة الموارد البشرية في سيرياتيل (التابعة للنظام السوري وقتها) أن فقط 1–2% من المتقدمين تلبي مؤهلاتهم حاجات الشركة، مشيراً إلى أن اختصاصات الجامعات لا تتوافق مع ما يبحث عنه سوق العمل.

بعد سقوط النظام السوري في ديسبمر 2024، ترث الحكومة السورية الانتقالية تركة صعبة الإدارة على أقل تقدير، ولا يزال تحدي رفع التوافق بين التعليم العالي و سوق العمل قائماً. لا أوراق بحثية أو تقارير تشير إلى حجم هذه المشكلة بعد سقوط النظام، أو الخطوات المتخذة منذ سقوط النظام، ولكن الحكومة الانتقالية تتجه بخطوات حثيثة نحو التعاون الدولي والتطوير الإداري، كما أعلنت مصادر رسمية في 25.08. عن المرسوم رقم 148 لعام 2025، القاضي بتشكيل المجلس الأعلى للتربية والتعليم ليكون مرجعية وطنية عليا في وضع السياسات التربوية والتعليمية وتنسيق جهود المؤسسات ذات الصلة، مما يجعل طرح هذه المشكلة في الوقت الحالي حجر أساس في دعم توجهات الحكومة السورية الانتقالية.

تجدر الإشارة إلى أن مشكلة الفجوة بين مخرجات التعليم العالي و ومتطلبات سوق العمل تكاد تكون مشكلة عالمية، و ليست في سوريا فحسب، ففي ألمانيا مثلاً تتم إعادة النظر في بعض الأقسام النظرية في الجامعات. أما إقليمياً في الدول العربية، فقد أشار باحثون وخبراء من المجلس العلمي السوري إلى جهود إقليمية للوصول لحل لهذه المشكلة، حيث تقوم دول كالسعودية والإمارات بدراسات دورية حول هذه المشكلة في محاولات لخلق حلول فعالة.

نتائج استبيان مشروع البوصلة الأكاديمية مع خريجي أقسام اللغات والعلوم التطبيقية:

في النصف الثاني من عام 2024 وحتى بداية 2025، أجرى متطوعون من الجمعية الألمانية السورية للبحث العلمي استبيانات ضمن مشروع البوصلة الأكاديمية السورية، مع حوالي 100 خريج سوري يعملون خارج البلاد بهدف رصد مساراتهم المهنية بعد التخرج، دون التعميم على كافة الخريجين من هذه الأقسام لغياب الشريحة التمثيلية. تركزت الاستبيانات مع مجموعتين من الخريجين من أقسام اللغات (أدب إنكليزي أدب عربي، أدب فرنسي،…) و خريجي أقسام العلوم التطبيقية (علوم، كيمياء،…..). أشارت نتائج الاستبيانات إلى وجود فجوة بين المعرفة التي حصل عليها الخريجون وسوق العمل، في كلا المجموعتين.

بالنسبة لخريجي أقسام اللغات،  نصف المشاركين بيّنوا أنهم يعملون أو يدرسون في البلد الذي يعيشون فيه حالياً بسبب حصولهم على شهادة البكالوريوس بشكل عام بغض النظر عن تخصصهم الجامعي (مسار متعدد التخصصات)، بينما قال النص الآخر أنهم يعملون أو يدرسون بسبب حصولهم على البكالوريوس في مجال دراستهم تحديداً (مسار تخصصي).

أما في أقسام العلوم التطبيقية، فقد قال 40% من المشاركين بالاستبيان أن يعملون أو يدرسون في البلد الذي يعيشون فيه بسبب حصولهم على شهادة البكالوريوس بشكل عام (مسار متعدد التخصصات interdisciplinary) أو أن شهادة البكالوريوس  لم تلعب أي دور في انخراطهم بسوق العمل. بينما قال 60% من المشاركين بالاستبيان أنهم يعملون أو يدرسون بسبب حصولهم على شهادة البكالوريوس في مجال دراستهم بشكل خاص (مسار تخصصي).

هذا يشير إلى أن المعرفة التخصصية التي حصّلها الخريجون، لم تكن ذات صلة أو سبباً لدخولهم سوق العمل، في نصف الحالات التي غطاها الاستبيان تقريباً. هذا مؤشر إلى وجود فجوة ما بين الشهادات الجامعية وسوق العمل، فجوة لا بد من تفحصها بشكل أدق عبر إجراء استبيانات دورية مع خريجي الجامعات السوريّة.

لا يمكن اعتبار هذه الدراسة معيارية حول وضع الخريجين السوريين بشكل عام في سوق العمل، فالشريحة غير تمثيلية والاستبيان تم اجرائه على خريجين سوريين يعملون خارج البلاد. ورغم ذلك، وبدعم الدلائل العلمية من الدراسات على سوق العمل والسوريين العاملين داخل البلاد، يمكن الاستدلال بنتائج هذه الدراسة، والتخطيط لإعادة إجرائها على شريحة أوسع من الخريجين السوريين العاملين داخل وخارج البلاد، وهذا ما نقترحه في هذه الورقة.

أدلة مشابهة من أقسام الهندسات: 

ومن خلال عملنا مع خريجي أقسام الهندسات في عدة استبيانات وورشات عمل، اتضح لنا أن  الوضع بالنسبة لخريجي الكليات الهندسية والتقنية لا يختلف عن باقي الكليات بل ربما تبدو هذه الفجوة أكثر عمقاً. بدايةً وقبل التركيز على المحور الأساسي للتقرير لا بد من التأكيد على أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة خلال الثورة وظروف الحرب وعدم الاستقرار بالإضافة إلى السياسات الخاطئة للنظام السابق على جميع الأصعدة أدت إلى انحسارٍ كبيرٍ في سوق العمل المحلي لخريجي الكليات الهندسية. الأمر الذي أدى إلى تجاهل النقطة الأساسية وهي العلاقة المباشرة بين المهارات المكتسبة خلال المرحلة الجامعية والحصول على فرصة عمل. هذا أدى إلى زيادة الفجوة أكثر مقارنة بالفترة قبل 2010 من خلال إغفال الحاجة إلى تطوير المحتوى الأكاديمي وكذلك البنية التحتية للجامعات الهندسية التقنية والتي كانت تعاني أساساً. إذ تتسم المناهج الهندسية بالتركيز على المفاهيم النظرية بشكلٍ كبيرٍ على حساب الجانب العملي والذي يعتبر الركيزة التي تمد الطالب بالخبرات العملية اللازمة لسوق العمل.

على سبيل المثال، يعاني خريجو هندسة البرمجيات من فجوة واضحة بين ما توفره المناهج الجامعية وما يتطلبه سوق العمل، ولا سيما عند محاولة الاندماج في سوق العمل كـ Software Developers. إذ يقتصر محتوى المناهج الجامعية في الغالب على الجوانب النظرية والأساسية من علوم الحاسوب (مثل الخوارزميات، هياكل البيانات، وبعض لغات البرمجة)، من دون التعمق في المهارات العملية اللازمة لتطوير البرمجيات على نحو متكامل. ويشمل ذلك إتقان أدوات إدارة الإصدارات (Git/GitHub)، بيئات العمل التعاونية، تقنيات الاختبار الآلي (Automated Testing)، بالإضافة إلى مهارات التشغيل (Deployment) باستخدام منصات مثل Docker وKubernetes أو بيئات الحوسبة السحابية. إن غياب هذه المهارات الأساسية يجعل الخريج غير مهيأ للقيام بمهام التطوير المطلوبة من قبل الشركات، ويضطره إلى البحث عن دورات تدريبية خارج إطار الجامعة، أو الاعتماد على التعلم الذاتي لاكتساب الخبرة العملية الضرورية.

ويبدو من عدة استبيانات وورش عمل، أن المناهج الحالية في كليات الهندسة تعاني من النمطية وضعف الحداثة ومواكبة آخر التطورات؛ وبالأخذ بعين الاعتبار أن التخصصات الهندسية هي تخصصات دائمة التطور بفعل الابتكارات التكنولوجية الدائمة، فقد زادت الفجوة أكثر. فعلى سبيل المثال تطور مجال الذكاء الصناعي (خصوصاً التعلم العميق) بشكل كبير خلال فترة الثورة السورية منذ عام 2011 ودخوله في كافة التخصصات الهندسية يتطلب أن يتم تضمينه في المقررات لكافة التخصصات الهندسية وأيضا يتطلب بنية تحتية قوية مثل الحواسب المزودة بمعالجات رسومية قوية واللازمة لتطوير نماذج وأنظمة الذكاء الصناعي. بالإضافة إلى الذكاء الصناعي، تمثل تقنيات أخرى مثل الـ blockchain والأمن السيبراني وتحليل وإظهار البيانات، بعضاً من هذه الابتكارات التكنولوجية الأخيرة والتي أعادت تشكيل وهيكلة بيئات العمل العالمية. هذا الأمر دفع الشركات العالمية إلى العمل على مواكبة هذه التقنيات (والذي أصبح ضرورةً لا اختياراً) وتدريب موظفيها لتطوير مهاراتهم في هذا الاتجاه. هذا يعني أن الكفاءات والمتطلبات للمسميات الوظيفية قد تغيرت تباعاً وأضحى من واجب الطلبة الجامعيين أن يواكبوا هذه المتطلبات الجديدة.

بالإضافة إلى ما سبق فإن أسلوب التعليم الأكاديمي المتبع مازال يركز على كثافة الامتحانات المغلقة عوضاً عن المشاريع العلمية التدريبيّة والّتي تساعد الطّالب في إعادة صياغة المفاهيم النّظريّة وتحويلها لتطبيقٍ عمليٍّ. كما أدى غياب التّواصل المباشر بين الجامعات وسوق العمل في معظم الأحيان إلى تبنّي الجامعة لنماذج تدريب قديمة لا تنسجم مع ما يطلبه سوق العمل. وفي نفس السياق فإن عدم تعريض الطالب لسوق العمل بشكل مسبق قبل التخرج يجعله جاهلاَ بمتطلبات سوق العمل، رغم أن كثير من دول العالم باتت تلزم الطلاب بإجراء تدريب عملي لمدة فصل دراسي على الأقل مما يعزز تقريب الفجوة وتهيئة الطالب لدخول سوق العمل. أخيراً٬ تركيز المناهج الأكاديمية على التعليم التقني فقط وغياب التركيز على المهارات الأخرى المطلوبة لسوق العمل والمعروفة بالمهارات الناعمة مثل التواصل والعمل ضمن فريق ومهارات الكتابة وإدارة الوقت.

ومن ناحية أخرى، فقد وجد باحثون من المجلس العلمي السوري، أن خريجي هذه الأقسام يعانون من تضخم الشهادات الجامعة في سوق العمل، حيث يعمل الكثير من حملة شهادات الدراسات العليا في وظائف لا تحتاج لهذه الشهادات، مما يعكس مشكلة من طابع آخر، ولكن مرتبطة نوعاً ما بمشكلة الفجوة بين مخرجات الجامعات وسوق العمل.

كل ذلك يشير إلى أن  المقررات الأكاديمية والبنية التحتية الحاليتين للكليات من مخابر وتجهيزات بعض كليات الهندسة لا تزودان الخريجين بالمهارات العملية المطلوبة للانخراط في سوق العمل مباشرةً بعد التخرج.

ثالثاً: الحل المقترح للمشكلة

وبعد بيان مشكلة الفجوة بين العرفة التي يحملها الخريجون وسوق العمل، وعرض أوجه هذه الفجوة لدى خريجي بعض أقسام الجامعات السورية، نعرض الحل هنا. يقترح التقرير الخطوات المبينة في الرسم التالي:

 

  • تطوير مكاتب الخريجين بأساليب الإدارة السريعة لتكون فاعلة في تطبيق الاستبيانات الدورية:

يجب تفعيل مكاتب الخريجين في كل كلية و جامعة و تبني منهجيات حديثة لضمان التواصل المستمر مع الخريجين. تقوم هذه المكاتب بإنشاء قاعدة بيانات للخريجين وتحديثها بشكل دوري وكذلك تأمين التواصل بين الخريجين والطلاب الحاليين. ومن أبرز المهام (والتي تمثل محور هذا التقرير) جمع المعلومات حول مدى ملاءمة المناهج التدريسية مع سوق العمل سواد المحلي أو الدولي وذلك من خلال تطوير وإجراء استبيانات دورية مع الخريجين. كما لا بد من تفعيل وتطويرمكاتب إدارة الجودة في كافّة الجامعات السّوريّة، 

التي تسعى للبحث في أسباب الصّعوبات التي تواجه الطّلاب والخريجين، والسّعي لحلّ هذه الصّعوبات من خلال إطلاق الاستبيانات التي تشمل تقييم المواد الدّراسيّة و الاختصاصات المختلفة، كما هو الحال في الجامعات الألمانية، كجامعة هايدلبيرغ في ألمانيا مثالاً.

  • وكلا المكتبين عليهما بالمحصلة تطوير استبيانات دورية مع الخريجين داخل وخارج البلاد: 

عبر إطلاق سلسلة استبيانات دورية تستهدف الخريجين من الجامعات السورية يهدف إلى تحديد المهارات والكفاءات المطلوبة في وظائفهم الحالية وتلك المكتسبة خلال دراستهم الجامعية. كما لا بد من تشجيع الطلاب للمشاركة في هذه االاسبيانات من خلال تقديم جوائزأو ما شابه ذلك للحصول على نتائج تعكس الواقع الحالي.

ستوفر هذه الاستبيانات معلومات مهمة عن مسارات العمل الوظيفية المحلية والإقليمية والدولية لكل تخصص جامعي. وقد أثبتت التجارب الدولية والعديد من الدراسات أن ما يعرف بتتبع الخريجين (Tracer Studies) تعتبر أداة ضرورية لرصد مدى نجاح العملية التعليمية وتأهيل الطلاب الجامعيين للانخراط في سوق العمل. تحتوي البيانات التي يتم جمعها من هذه الاستبيانات على معلوماتٍ متنوعة تشمل على سبيل المثال: إحصائيات حول نسبة الخريجين العاملين في مجال اختصاصهم٬ المهارات المطلوبة في عملهم الحالي٬ المهارات التي قاموا بتطويرها بأنفسهم. يتم بعد ذلك إيصال هذه المعلومات إلى لجان تطوير المناهج ومكاتب الجودة ضمن الكليات مما يضمن تحديداً مبكراً لأي نقص/قصور في المناهج ومرونة في تحديث المناهج والعملية التعليمية. لا بد هنا من استهداف الخريجين ضمن شرائح تعبر عن سنوات تخرجهم.

  • تحليل بيانات الاستبيانات في ضوء القضايا التالية: 
  • تحسين جودة المنهاج لدعم التوافق بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل.
  • كما لا بد أن تتم الاستفادة من نتائج الاستبيانات كأداة استراتيجية لإعادة هيكلة التخصصات الجامعية للإبقاء على و/أو لإعادة بناء الهيكلية للتخصصات الجامعية (مثل إحداث تخصصات فرعية جديدة) على المدى البعيد. وربما أيضاً إحداث أنظمة تعليمية جديدة مشابهة للكليات التطبيقية أو التعليم المهني في ألمانيا.
  • تنظيم ورشات عمل دورية للطلبة:

باعتبار أن تطوير المناهج التعليمية هو عملية تراكمية تحتاج إلى وقتٍ طويلِ نسبياً٬ يمكن تنظيم ورشات عملٍ تبنى على نتائج الاستبيانات ويتم تقديمها بمشاركة عددٍ من المساهمين في الاستبيان. يتم طرح نتائج الاستبيانات خلال ورشة العمل هذه مع التركيز على المسارات المهنية والمهارات والكفاءات التي ينبغي على الطالب اكتسابها خلال المرحلة الجامعية ليكون في أتم الجاهزية للحصول على فرصة عمل عند تخرجه. تخدم ورشات العمل هذه كبوصلة من جهةٍ أولى تزود الطلاب الجامعيين بالمعلومات اللازمة ليقوموا باستثمار وقتهم لتطوير المهارات المطلوبة بمجهودٍ شخصي. ومن جهةٍ ثانيةٍ تشكل ركيزةً للأساتذة الجامعيين ليقوموا بتغييراتٍ آنيةٍ ليحققوا التوازن بين المقرر الحالي والمتطلبات الجديدة التي أضاءتها هذه الورشات.

الاستبيانات والتقييمات تُشكل أداة تحليليّة وأساسًا لتعزيز المشاركة والمسؤوليّة الذّاتيّة والتّطوّر المستمر. بهذه الطريقة، تضمن الجامعات ليس فقط تحقيق جودة عالية في التعليم، بل أيضًا تطوّرها الديناميكيّ المستمر والمستند إلى مؤشّرات واضحة وتحليل علميّ. يُسهم هذا النهج في بناء بيئة تعليميّة متطوّرة تشدّد على التّفكير النقديّ، التّفاعل والتّحسين المستمر.

رابعاً: دور المجلس العلمي في دعم المقترحات 

  • الدعم الاستشاري وبناء القدرات: يساهم المجلس العلمي في تقديم الخبرات اللازمة من خلال استشارات خارجية وورشات عمل لتطوير مكاتب الخريجين. ويشمل ذلك  أن يقوم المجلس العلمي بدعوة خبراء محليين ودوليين لعقد ورش العمل وتقديم الاستشارات حول أفضل الممارسات الإدارية.
  •  استشارات خارجية وورشات عمل لتطوير الاستبيانات: يمكن للمجلس العلمي سواءً بخبرة أعضائه ضمن لجانه المتخصصة أو علاقاته مع جهات أكاديمية دولية تقديم الاستشارة وكذلك المساهمة في تصميم الاستبيانات سواء الورقية أو الالكترونية بأسلوب علمي يضمن الحصول على معلومات موثوقة وشاملة.
  • تطوير منهجيات تحليل البيانات: بالإضافة إلى المساهمة في صياغة الاستبيانات يمكن للمجلس العلمي تقديم الدعم في تطوير منهجيات لتحليل هذه البيانات بحيث تكون موحدة على المستوى الوطني لكل الجامعات لجعل عملية المقارنة بين التخصصات المختلفة ممكناً.
  • المساهمة بشكل فعال في الهيكل الإداري والتطبيقي لهذه الفكرة إذا اقتضت الحاجة: يمكن أن يساهم المجلس بشكل مباشر بناء على طلب الجهات المسؤولة وأصحاب القرار وذلك في مستويين:
    • تطوير الهيكل الإداري.
    • تطوير المجال التطبيقي.

المؤلفون:

مصطفى قره حمد: ماجستير العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة زيغن. خريج برنامج دراسات عليا في سياسات ما بعد الصراع من جامعة كونستانس في ألمانيا. مرشح لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة غوته في فرانكفورت. يعمل كاستشاري في الهيئة الفدرالية للعمل في ألمانيا. عضو مجلس إدارة سابق ومؤسس شريك لعدة مشاريع تعليمية في الجمعية الألمانية السورية للبحث العلمي. مسؤول تواصل علمي في المجلس العلمي السوري. 

فواز الحسين: حصلت على درجة البكالوريوس في الكيمياء التطبيقية من جامعة رويتلنغن ، ثم أنجزت درجة الماجستير في جامعة بريمن في ألمانيا. أعمل حالياً باحثاً علمياً في معهد فراونهوفر في مجال البوليمرات والمواد. وبالتوازي مع ذلك، أكتب أطروحة الدكتوراه الخاصة بي في جامعة بريمن حول استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون كمادة أولية لإنتاج المونومرات والبوليمرات.

د. نور الدين جلال: مهندس متخصص بالرؤية الحاسوبية والذكاء الصنعي ويعمل حالياً في شركة إيربه (Erbe Elektromedizin GmbH) في ألمانيا. حاصل على بكالوريوس وماجستير في الهندسة الطبية الحيوية من جامعتي دمشق وفورتفانغن في ألمانيا. حاصل على دكتوراة في مجال التعلم العميق ومعالجة البيانات المجال الطبي من جامعة لايبزيغ في ألمانيا. 

تيفاني فطيمي: ماجستير في آثار الشّرق القديم من جامعة هايدلبيرغ الألمانيّة. بكالوريوس في علم الآثار من جامعة حلب. تعمل كباحثة ومُحاضِرة ضمن قسم علم آثار ما قبل التاريخ وعلم آثار الشّرق القديم. مُرشّحة لنيل درجة الدكتوراه في الاختصاص ذاته. مُساهِمة في العمل الأثريّ في متحف Damjanich János في هنغاريا. بالإضافة إلى نشاطها الأكاديمي، تعمل حاليّاً في مكتب ضمان وتطوير إدارة الجودة (heiQUALITY) في مجالات التّعليم والبحث العلميّ التّابع لجامعة هايدلبيرغ.

د.محمد سعيد زرزور: دكتوراه في الميكانيكا الحيوية من جامعة إرلنغن نورنبيرغ في ألمانيا. ماجستير في الهندسة المحوسبة computational engineering من جامعة إرلنغن نورنبيرغ. بكالوريوس في هندسة التصميم الميكانيكي من جامعة دمشق. يعمل حالياً كباحث ما بعد الدكتوراه في جامعة إرلنغن نورنبيرغ. لديه عدد من المقالات العلمية المنشورة في مجلات عالمية محكمة.

التدقيق العلمي:

د. أحمد البركات المسالمة

التدقيق اللغوي:

عدنان عبد الله

تم النشر ضمن غير مصنف, لجنة التعليم العالي والبحث العلمي
السابق
كل المقالات
التالي