الصورة لاحتجاج أمام البيت الأبيض في واشنطن في الذكرى الـ 21 لافتتاح معتقل غوانتانامو. تصوير Maria Oswalt، للاستخدام المتاح على موقع Unsplash
نحو إغلاق مخيم الهول والمعتقلات الشبيهة بغوانتانامو في سوريا
المقدمة:
يعرض هذا التقرير مشكلة المُحتجزين من المقاتلين السابقين لما يسمّّى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وبعض المتهمين بالانتماء إليه، وعائلاتهم، الّذين يُحتجزون دون محاكمة في مراكز الاحتجاز التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تُدير هذه المراكز القوات العسكرية الرسمية، المعروفة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تَأَسَّسَت عام 2015 وسيطرت على المنطقة منذ عام 2019. ويُعتبر مخيم الهول أكبر مراكز الاحتجاز. تتمثل المشكلة بأنّ أغلبية المحتجزين في هذه المراكز هم من الأجانب، وفيهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال. وبينما ترفض الدول إجلاء رعاياها بشكل كامل، شهدت هذه المراكز محاولات متكررة للهروب من قِبَل بعض المحتجزين.
يستعرض التقرير المخاطر الأمنية الناجمة من بقاء مراكز الاحتجاز، كما يقدم التقرير عدة اقتراحات على المستويين الدولي والمحلي من أجل حل مشكلة مخيم الهول ومراكز الاحتجاز غير النظامية المشابهة في مناطق قسد، ويختتم التقرير ببيان دور المجلس في المساهمة بحل هذه المشكلة.
عرض المشكلة:
منذ الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش عام 2019، أصبحت منطقة شرق سوريا بكاملها تحت سيطرة قسد التي تأسّست عام 2015. وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2019، احتُجزَ وقتها حوالي 70,000 شخص، كان معظمهم من النساء والأطفال دون سن الثانية عشرة عامًا، في مخيم الهول الذي تديره قسد، والذي يُعد الأكبر (وإن لم يكن الوحيد) من بين مراكز احتجاز معتقلي داعش في شمال شرق سوريا. وبحلول نهاية المعارك ضد داعش في آذار 2019، أعلن مسؤولون من قسد أنّهم أسروا ثمانمئة (مواطن أوروبي ممن قاتلوا ضمن صفوف التنظيم “داعش“. شهد مخيم الهول انخفاضًا تدريجيًا في أعداد المحتجزين في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قدّرت منظمة أطباء بلا حدود (MSF) في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عدد محتجزي المخيم بحوالي 53,000 شخص، 64% منهم من الأطفال (حين صدور التقرير)، العديد منهم وُلدوا داخل المخيم . بحلول بداية
عام 2025، انخفض عدد المحتجزين إلى نحو أربعين ألف شخصٍ ، ويعزى هذا الانخفاض إلى أسباب متعددة منها هروب أعداد من المحتجزين في السنوات السابقة أو بسبب استعادة بعض الدول لرعاياها، و بحسب التوزيع الديموغرافي للمحتجزين في المخيم بتاريخ كتابة التقرير، يُشكّل العراقيون النسبة الأكبر ، حيثُ بلغ عددهم نحو ثمانية عشر ألف عراقي (ما يعادل ن 45% من إجمالي سكان المخيم).، يليهم السوريون في المرتبة الثانية يُقّدر عددهم بنحو ستة عشر ألفاً وسبعمئة وعشرة سوريين ( ما يُعادل41%من إجمالي محتجزي المخيم، يليهم ستة آلاف وستمائة واثنا عشر محتجزاً من سبع وأربعين دولة مختلفة، ويشمل ذلك مواطنين من فرنسا، السويد، هولندا، روسيا، وتونس؛ وتُمثّل هذه الجنسيات مجتمعةً تنحو 16.53% من إجمالي محتجزي المخيم؛ ثلثي هؤلاء الأجانب هم من الأطفال دون سن السابعة عشرة.
كيف يُشكّل هذا الملف تحديًا لسوريا؟
– على المستوى الوطني، يُمثل استمرار هذا الوضع انتهاكًا لمبادئ العدالة وإضعافاً لسيادة القانون في سوريا، حيث يُبقي على حالة الاعتقال التعسفي دون محاكمة على فئة من السوريين والأجانب، ويُرسّخ فكرة إبقاء بعض الأفراد خارج نطاق المساءلة القانونية. كما أن وجود هؤلاء المحتجزين ضمن بنية أمنية هشة لمراكز الاحتجاز التي تدار بقوات غير نظامية، يفتح الباب أمام حوادث هروب متكررة، تهدد الأمن المحلي، وهو ما حدث بالفعل في أكثر من مناسبة، آخرها عام 2022.
– على المستوى الإقليمي، تشكل مراكز الاحتجاز الخاضعة لسيطرة قسد خطرًا أمنيًا أكثر من كونها حلًا، ليس فقط على سوريا بل على القوى الإقليمية ضمن سيناريو هروب المحتجزين من مخيم الهول وإفلاتهم من العدالة. تُظهر التطورات في شمال شرق سوريا في السنوات الأخيرة، أن داعش حاول إعادة تنظيم صفوفه بعد انهياره عام 2019، ويتجلى ذلك من خلال الهجوم الواسع النطاق على سجن غويران في الحسكة في كانون الثاني/ يناير 2022.
– على المستوى الدولي، فتكمن المشكلة فيتنصل الدول من مسؤولياتها تحت ذرائع أمنية، حيثُ رفضت العديد من الدول، خصوصًا الأوروبية، استعادة مواطنيها من المخيم، ما يُحمّل سوريا عبئًا سياسيًا وأمنيًا وإنسانيًا متزايدًا. هذا الرفض الأوروبي يعقّد جهود الحل، ويُحول المخيم بشكل خاص وسوريا بشكل عام إلى مشكلة دولية تتقاطع فيها مسؤوليات الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين. أهم هذه المشاكل بالنسبة لسوريا هو التعامل مع الرغبة الأوروبية لـ “تصدير” أزماتها الأمنية مع مجموعة من مواطنيها ليتم التعامل مع هؤلاء المواطنين خارج سلطة القانون على الأراضي السورية، حيثُ تتحوّل سوريا إلى سجن للعناصر الخطرة. وبتعاطيها هذا، تشجع الدول الأوروبية دولاً أخرى لها مواطنين محتجزين في مخيم الهول إلى التعامل مع سوريا بطريقة مماثلة، مما يحد من سلطة القانون في سوريا.
أولًا- الوضع الراهن لمخيم الهول:
– غوانتانامو أوروبي في سوريا؟
بالرغم من الدعوات الأوروبية السابقة للولايات المتحدة لإغلاق معتقل غوانتانامو، الذي أُسّسَ قبل ما يزيد عن عشرين عامًا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، إلا أنّ دولًا أوروبية عديدة تدعم استخدام مراكز احتجاز مشابهة في سوريا بطريقة غير مباشرة.
وصفت المفوضة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان عام 2020، فيونولا ني أولين (Fionnuala Ní Aoláin)، مراكز الاحتجاز في مناطق قسد في سوريا بأنّها”غوانتانامو أوروبي”[5]. لقد كانت الفكرة الأمريكية وراء معتقل غوانتانامو هي احتجاز المشتبه بتورطهم بهجمات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر. حيثُ أنّ مركز الاعتقال يقع على جزيرة في منطقة تخضع لسيطرة
أمريكية في كوبا، لكنّها ليست على الأراضي الأمريكية، وبهذا يُحرم المحتجزون في غوانتانامو حقوق المحاكمة العادلة بموجب القانون الأمريكي.
ويستند التشبيه الذي استخدمه مسؤولو الأمم المتحدة إلى حقيقة أنّ المحتجزين في شمال شرق سوريا يُحتجزون دون توجيه تهم إليهم ويُحرمون من بعض الحقوق القانونية. ومع ذلك، تختلف مراكز احتجاز قسد عن غوانتانامو في جانبين: أولًا، أنها ليست تحت سيطرة مباشرة من قبل الدول الأوروبية، كما هو حال السيطرة الأمريكية على غوانتانامو. وثانيًا، وعلى الرغم من وجود اتهامات متكررة باستخدام التعذيب في سجون قسد، لا توجد أدلة على تعذيب منهجي تمارسه قسد أو استخدام ما يُعرف بـ “تقنيات الاستجواب المُعززة”، وهي أساليب في التحقيق غير مشروعة استُخدِمَت في غوانتانامو.
– مطالبات باستعادة أوروبا لمواطنيها من المقاتلين في صفوف داعش
في مطلع عام 2021، وجهت مجموعة من خبراء من الأمم المتحدة المعنيين بحقوق الإنسان نداءً عاجلًا إلى سبعٍ وخمسين دولة إلى استعادة رعاياها المحتجزين في سوريا، ولا سيما النساء والأطفال، من معسكرات الاحتجاز التي وصفها خبراء الأمم المتحدة بـ “أنّها تنتهك المبادئ الأساسية للكرامة الإنسانية”. كما ناشد مسؤولون من قسد مرارًا الدول الأوروبية لاستعادة مواطنيها المحتجزين، إلا أن هذه الدعوات قوبلت بتجاهل واسع من صانعي القرار في أوروبا. في هذا السياق، أبدت الدول الأوروبية ترددًا كبيرًا في إعادة المقاتلين، بينما أظهرت استعدادًا نسبيًا لإعادة القاصرين الأيتام، لكنها كانت أقل حماسًا عندما يتعلق الأمر بالأطفال المحتجزين مع أمهاتهم. وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير، لم تُتخذ أي قرارات سياسية واضحة في أي دولة أوروبية بشأن استعادة مواطنيها بشكل كامل، بل اقتصرت التحركات على دعاوٍ قانونية فردية رفعتها عائلات المحتجزين ضد سلطات بلادهم بحجة تأخير استعادتهم إلى بلادهم.
تركزت النقاشات الأكاديمية والإعلامية حول استعادة مقاتلي داعش من الأوروبيين وعائلاتهم غالبًا على أبعاد قانونية وإنسانية. فقد أشار الباحثون أنّ حرمان هؤلاء الأفراد من حق العودة يعد خرقًا للقانون بعدة دول أوروبية، فيما سلط آخرون الضوء على التداعيات الخطيرة لبعض القوانين والإجراءات الخاصة، مثل قانون إسقاط الجنسية عن المحتجزين المقترح في ألمانيا، والإجراءات الإدارية الاستثنائية ضدهم في فرنسا.
ودون التقليل من أهمية الحُجج القانونية، فإنّ الإبقاء على المحتجزين من مقاتلي داعش وعائلاتهم، من الأوروبيين وغير الأوروبيين، في مراكز احتجاز تُشبه غوانتانامو داخل سوريا يطرح تهديدين أمنية يعرضها التقرير هنا تباعاً.
ثانيًا- الأخطار الثلاث من عدم حل مشكلة مخيم الهول
– الخطر قصير الأمد: فرار محدود لبعض المحتجزين لدى قسد
في العشرين من كانون الثاني / يناير 2022، نجحت مجموعة من سجناء تنظيم داعش في السيطرة على سجن غويران في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا. وقد تزامن هذا التمرد داخل السجن مع تفجير سيارة مفخخة، نفّذته خلايا نائمة لتنظيم داعش في محاولة لاقتحام السجن. وبحلول يوم الحادي والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2022، كان التنظيم قد سيطر على نحو ربع السجن.
زعمت وكالة أعماق، الذراع الإعلامي لتنظيم داعش، أنّها “حرّرت” حسب ادّعائها ثمانمئة سجينٍ وأنّها قتلت مئتين من حراس السجن، بينهم مدير السجن. بالمقابل، نشرت قوات قسد مقطع فيديو ادّعت فيه أنها قبضت على الفارين واستعادت السيطرة الكاملة على السجن. إلّا أنّ هذه الرواية مشكوكٌ بصحتها حيث امتدت الاشتباكات بين داعش وقوات قسد إلى الأحياء المجاورة، مما أدّى إلى سقوط عشرات القتلى من الطرفين ومن السكان المدنيين. وفي يوم الرابع والعشرين من كانون الثاني /يناير 2022، فرضت قوات قسد حظر تجولٍ شامل مدته سبعة أيامٍ في مدينة الحسكة للحد من انتشار مقاتلي داعش، وأظهرت التقارير المصورة مواكب من المدنيين الفارين من مناطق الاشتباك.[6]
ورغم أنّ محاولات الفرار من السجون من قبل معتقلي تنظيم داعش ليست بجديدة، إلا أن هذه المحاولة تُعدّ الأكبر من حيثُ الحجم والتأثير حتى الآن. ففي آذار/ مارس 2020، شهدت محاولة مماثلة لكنّها بأثر محدود، حيث أكدت قوات قسد عدم تمكن أي من السجناء من الفرار، رغم فقدان السيطرة على المنشأة لأكثر من أربع وعشرين ساعة. ويُعتبرُ هجوم عام 2022 أكثر خطورة، فقد تزامن مع هجوم مُسلّح كبير لتنظيم داعش على محافظة ديالى العراقية، والذي أسفر عن مقتل أحد عشر عنصراً من قوات الأمن العراقية.
ويُعزى الهجوم على سجن غويران إلى عاملين رئيسيين أولهما النقص الحاد في العناصر البشرية لدى التنظيم، أمّا ثانيهما فيعود إلى احتجاز قوات قسد لعدد من قيادات تنظيم داعش رفيعي المستوى في هذا السجن. ويمثّل هذا التمرد نقلةً نوعية في استراتيجية تنظيم داعش، حيثُ بدا جلياً أنّه يعيد تنظيم صفوفه ويركّز بشكل غير مسبوق على استهداف مراكز الاحتجاز لتحرير عناصره.
بيد أنّ هذه المحاولة قد لا تكون الأخيرة، بل يُحتمل أن تُحفّز هذه الحادثة خلايا تنظيم داعش النائمة على استهداف المزيد من مراكز الاحتجاز، ولا سيّما مخيم الهول الذي لا يبعد سوى اثنين وأربعين كيلومتراً عن مدينة الحسكة.
– الخطر وسيط الأمد: انهيار قوات قسد وهروب كامل لمحتجزي تنظيم داعش
اتهمت قسد، في أعقاب أحداث غويران، تركيا بالوقوف وراء التمرد في غويران. وتعكس هذه الاتهامات طبيعة العلاقات المتوترة بين الإدارة الذاتية والقوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة. فعلى سبيل المثال، أنهت قوات كردية عراقية بعد هجوم الغويران حفر خندق حدودي بعمق مترين على حدودهم مع مناطق قوات قسد، مما جعل الميليشيات الكردية في تركيا الداعم الإقليمي الوحيد لقوات قسد، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي من قواتها المتواجدة في المنطقة، والتي تخفض عدد جنودها في المنطقة بشكل مستمر منذ أعوام.
ونظراً إلى افتقار قوات قسد للدعم الإقليمي الواسع والوضع الاستراتيجي غير المستقر، تصاعدت المخاوف من أن تفقد قوات قسد التحكّم في الأراضي التي تسيطر عليها، خصوصاً في حال انسحاب كامل للقوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، فقد يتزايد خطر عودة تنظيم داعش لرصّ صفوفه ومهاجمة مخيمات ومراكز احتجاز قسد، وما يعقبه من تفكّك البنية الأمنية وربّما فرار جميع المحتجزين.
في ظل أي سيناريو متوقّع لانهيار قوات قسد، فإنّ المشهد القادم سيتشكّل بحسب التموضع العسكري على الأرض. فبينما تنعم الجيوش المنظمة (التركية والسورية) بدرجة عالية من الانضباط العسكري والهرمية القيادية، تبدو بعض الفصائل السورية أكثر تشظيّاً تنظيمياً، تِلكَ التي لم تنخرط بالجيش السوري الجديد. هذه الفصائل، بتركيبتها المفككة وولاءاتها المتشعبة، ينسج أفرادها علاقات معقدة مع مقاتلي تنظيم داعش. فبينما ينظر بعض هذه الفصائل إلى داعش كعدوٍّ تقليديٍّ خاض معارك طويلة ضده، يرى آخرون في عناصر داعش “مقاتلين مهاجرين” أي مقاتلين مسلمين جاؤوا لدعم المسلمين في سوريا وفقاً لرؤية إيديولوجية معيّنة. هذا الأمر قد يدفع بعض مقاتلي الفصائل غير المنضبطين، إلى إطلاق سراح بعض مقاتلي تنظيم داعش من المعتقلين لدى قوات قسد، وهو ما سيُشكّل اختراقاً أمنياً خطيراً، يهدّد الاستقرار الداخلي السوري وتهديداً مباشراً للأمن الوطني التركي وللدول الأوروبية، إذا عاد المقاتلون لبلدانهم بطرق غير شرعية.
– الخطر طويل الأمد: استمرار حالة الاحتجاز غير القانوني ونشأة جيل متطرف من المقاتلين المحتملين
لا بدّ من الإشارة إلى تهديد يتمثّل في تنشئة جيل جديد يحمل أفكاراً ومعتقدات متطرّفة داخل هذه المخيمات، من الأطفال الذين ولدوا أو ترعرعوا في المخيم دون رقابة قانونية أو اجتماعية على نشأتهم، وفي ظل غياب حملات التوعية والتثقيف داخل المخيم. يضاف إلى ذلك السياسة التي تنتهجها قوات قسد بعزل المهاجرات وأطفالهن عن الفئات والجنسيات الأخرى من المحتجزين داخل المخيم، سواء ممن كان لهم ارتباط بتنظيم داعش أو ممّن فروا إلى المخيم من جراء العمليات العسكرية في سوريا والعراق. لقد برزت ملامح التطرّف المبكر في مواقف عديدة، لا سيما من خلال تعامل المحتجزين وتعاطيهم مع وسائل الإعلام التي حاولت مراراً زيارة المخيم، إضافة إلى الأفكار التي يرددونها علناً، حسب بعض التقارير الإعلامية الواردة من داخل المخيم.
ثالثًا- التوصيات ومقترح لخطوات الحل
1- دولياً:
تُشير الباحثة تشارلوت هيث كيلي، الخبيرة في العلاقات الدولية والسياسات الأمنية في جامعة Warwick البريطانية، إلى أنّّ تعاطي بعض الدول الغربية مع المقاتلين المتطرفين ظلَّ لسنواتٍ خاضعاً لِـ “منطق الاستثناء”، حيث لا تطبق معاييرها القانونية بالتعامل معهم وتسعى لخلق مساحات “استثنائية”[7] مثل معتقل غوانتانامو الذي يمكن السلطات الأمريكية من التعامل مع المعتقلين بطريقة خارجة عن نطاق القانون الأمريكي. يبدو أنّ سوريا أصبحت في سنوات الحرب متنفساً للدول التي ترفض خرق قوانينها الداخلية الوطنية على أراضيها، حيث تمكنت هذه الدول لسنوات من أن تُنفَّذ سياسات الاحتجاز غير القانوني على الأراضي السورية بمساعدة شركاء تاريخيين لها كقوات قسد. يجب على هذا الواقع أن يتغير بعد سقوط النظام وقيام حكومة سورية انتقالية في آذار /مارس 2025. يقترح التقرير أن:
- يُخاطَب العقل الدولي بلسان القانون الدولي والقوانين الوطنية الديمقراطية التي لا تُبيح معاملة أي إنسان بحالة استثنائية، فهذه أول الحجج التي استخدمها الباحثون في انتقاد مشكلة مخيم الهول وأمثاله من مراكز الاحتجاز التي تديرها قوات قسد،
- تعمل سوريا على إلزام جميع الدول، خصوصاً الأوروبية، باستعادة مواطنيها المحتجزين في سوريا ومحاكمتهم في دولهم كما تقتضي قوانينهم الوطنية ووفقاً لمعايير القوانين الدولية. في حال امتنعت تلك الدول، يجب اتباع استراتيجية الضغط الأخلاقي، وهو أمر مارسه ممثلو الأمم المتحدة عبر الإضاءة على التناقض الأوروبي الصارخ، حيثُ ينتقد الساسة الأوروبيون غوانتانامو أمريكي، ويدعمون سجناً شبيهاً له في سوريا.
- تطالِبَ سوريا الدول الأوروبية بمراجعة سياساتها المتعلقة بالأمن، وأن تتوقف عن “تصدير” الأزمات الأمنية إلى المنطقة العربية، في مراجعة سياسات تتماشى مع معايير حقوق الإنسان، وأن تتجنّب ازدواجية المعايير من خلالها.
- تطالِبَ سوريا بالمشاركة في صياغة السياسات الأمنية الإقليمية والدولية في المنطقة كالانضمام في التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، المشاركة في اجتماعات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، أو اجتماعات الجهات الأمنية لدول الاتحاد من أجل المتوسط. كما يمكن لهذا الملف الأمني أن يكون مدخلًا لعودة المفاوضات الأوروبية-السورية حول انضمام سوريا لاتفاقيات دول الجوار الأوروبي.
2- داخلياً:
يجب أن تكون حماية المدنيين السوريين في مناطق قوات قسد من مقاتلي تنظيم داعش أولوية قصوى في التعامل مع ملف قوات قسد شمال شرق سوريا. عانى هؤلاء السوريون من جرائم تنظيم داعش، كما عانوا من قصف الحملات الدولية لمكافحة الإرهاب في العقد الماضي، التي خلّفت أعداداً من الضحايا المدنيين في الرقة ومناطق أخرى كانت تحت سيطرة تنظيم داعش. لذلك، يقترح التقرير ما يلي:
- التفاوض مع قوات قسد، كي تُسلّم إدارة مخيمات الاعتقال والسجون غير النظامية التي تديرها إلى الدولة السورية عبر آليّة متدرّجة.
- التعاون مع تركيا لإفراغ مراكز الاحتجاز من المقاتلين الأجانب وتسليمهم وعائلاتهم إلى سفارات بلادهم.
- إحالة السوريين من مقاتلي تنظيم داعش المتورطين في الجرائم إلى القضاء السوري.
- تحرير المعتقلين لدى قوات قسد ممن لم يثبت انتماؤهم لتنظيم داعش وعائلاتهم من غير المتورطين في جرائم، وضمان إعادة دمجهم في المجتمع السوري.
- التعاون مع المنظمات الدولية مثل مكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة في فيينا، لتأهيل زوجات وعائلات المقاتلين السوريين للاندماج في المجتمع السوري بعد سنوات من الاعتقال القسري. تُظهر بعض المقابلات الإعلامية أنّ بعض أطفال وزوجات مقاتلي داعش قد انغمسوا في التطرف الفكري والشعور بالمظلومية، لذا لا بدّ من معاملتهم كمواطنين سوريين، والسعي لجذبهم فكرياً نحو الاعتدال والمشاركة في إعادة الإعمار.
- التعاون مع المنظمات الدولية، مثل منظمة اليونيسف لتوفير برامج تعليمية تهدف إلى إعادة تأهيلهم تعليميًا واجتماعيًا، وضمان مستقبل أفضل لهم واندماج سليم في المجتمع السوري.
3- خطوات حل مشكلة السوريين المحتجزين في معتقلات قوات قسد:
تكمن المشكلة الأساسية في تطرف الأفراد والأجيال المحتجزة قسرًاً.
يُعَدُّ مصطلح “التطرّف” إشكالياً بطبيعته، إذ يعتمد على من يملك سلطة التعريف وهيمنة الخطاب السائد. ومع ذلك، تُقَدّم العلوم الاجتماعية إطاراً تحليلياً يدعى ـ “الحد الأدنى من التأسيس المفاهيمي” (minimal foundationalism)، كَرّدٍّ واقعي على تعقيد المفاهيم المتعلّقة بالإرهاب والتطرف. ضمن هذا المبدأ، يمكن الإجماع على أنّ تنظيم داعش يُمَثّل حالة واضحة من حالات “التطرّف”.
يُقدّم الباحث فتحي المغدّم (Fathali M. Moghaddam)، أستاذ علم النفس السياسي في جامعة جورجتاون الأمريكية، والمتخصّص في دراسة التطرف في السلوك الجمعي، نموذجًا نفسيًا لفهم آلية انخراط الأفراد في أعمال العنف السياسي المنظم، فقد قدّم عام 2005 نظريته المعروفة باسم “سلّم التطرف”، حيثُ قسّم التطرّف إلى مراحل متدرجة تشبه سلماً فيه عدة طوابق: الطابق الأرضي الّذي يتمثّل في الشعور بالظلم، حيث يبدأ الشخص بإدراك غياب العدالة الاجتماعية أو السياسية، لكنه يبقى يبحث عن حلول فردية لوضعه داخل المجتمع. بعدها ينتقل الشخص إلى الطابق الأول، للبحث عن مخرج من الشعور بالإحباط الناتج عن عجزه على التغيير الفردي، فيبدأ بالبحث عن جماعة أو إطار جماعي أوسع يمنحه الانتماء والتفسير. في الطابق الثاني، تتطوّر الحالة إلى إلقاء اللوم على الآخرين وتحميل المسؤولية لجهات خارجية (مثل الحكومة أو مجموعة معينة)، ويتبنّى رؤية ثنائية تقسم العالم إلى “نحن الجيدون مقابل هم السيئون”. في الطابق الثالث: يبدأ التبرير الأخلاقي للعنف، حيثُ تتشكّل قناعات بأنّ العنف قد يكون وسيلة مشروعة لتحقيق العدالة أو الدفاع عن الهوية الجماعية. وفي الطابق الرابع ينخرط الفرد فعليًا في تنظيمات متطرّفة، توفّر له الدعم والإطار الأيديولوجي واللوجستي، مما قد يؤدّي إلى أعمال عنفية مثل القتل.[8]
في تطبيق هذا الإطار النظري لفهم التطرّف على حالة معتقلي داعش في مخيم الهول والمشتبه بهم بالانتماء لداعش، نقترح حلًّا عبر تطبيق معكوس لسلّم مغدّم:
- بالنسبة للمتورّطين فيي العنف، الذين وصلوا للطابق الرابع من سلّم مغدّم، فلا بد من تطبيق العدالة بحقهم، ليردعهم ويردع غيرهم عن الوصول لهذه المرحلة من التطرّف.
- بالنسبة للمعتقلين الذين لم يثبت انتماؤهم لتنظيم داعش، وعائلات المقاتلين وأطفالهم الذين نشؤوا في مراكز الاحتجاز على روايات التطرَف، الحل الأمثل لهم هو عملية من نزول تدريجي على درجات “سلّم التطرف”. وهذا يتطلب برنامجين متكاملين:
أ- برنامج الدعم النفسي: عبر تقديم جلسات جماعية وفردية للأفراد الذين وصلوا إلى المرحلة الثالثة من سلّم التطرّف وفق نموذج مغدّم، أولئك الذين يعتبرون قتل ” الكفار” حسب وصف المنتمين لأيديولوجيا داعش المتطرفة، هو واجبٌ ديني. يهدف البرنامج إلى خفض مستوى التطرّف والنزول بهؤلاء الأفراد من المرحلة الثالثة (التي تبرر العنف)، إلى المرحلة الثانية التي تناقش محاولات إلقاء اللوم على الآخرين، ومناقشة جذور مشاعر المظلومية وتقييمها بشكل نقدي.
ب- برنامج تعليمي تأهيلي: يستهدف مناقشة الجوانب الاجتماعية المرتبطة بالطابق الأول (البحث عن مخرج فردي). وهو أمر اجتماعي تكافلي، من خلال إقناع الأفراد أنّ المظلوميات الطبقية والطائفية التي خلقتها حقبة البعث، قد زالت بزوال النظام، وتعزيز فكرة المشاركة في المجتمع والمحاولة بالانخراط في الإنتاج يُمثّلان خَيَارًا إيجابيًا. وعلى هذا المستوى لا بد من إشراك القيادات الدينيّة المتمثّلة بشيوخ المساجد ورجال الفتوى من المسلمين السنة في هذه العملية الفكرية، من الذين لديهم سجل مشرّف في مواجهة الاستبداد البعثي، ويتمتّعون بفضله بثقل اجتماعي وديني وشرعية جماهيرية.
وبسبب الحساسية الأمنية والسياديّة، يُفضل أن تقود الدولة السورية تنفيذ هذه البرامج. ويمكن أن يلعب المجلس العلمي السوري دورًا مِحوريًا في التصميم والتنفيذ عبر خبرائه في المجالات السياسية والنفسية والتعليمية في المجلس، أو بالتعاون مع شركاء سوريين للمجلس (داخل سوريا وخارجها). أما إذا تعذّر تقديم المشروع بشكل سوري-سوري لأسباب مادية، فيمكن للمجلس التنسيق مع المنظمات الدولية المتخصّصة والفاعلة في هذا السياق مثل مكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة في فيينا ومنظمة اليونيسيف في مكاتبها الإقليمية.
الخاتمة:
مع الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش عام 2019، احتجزت قوات قسد حوالي سبعين ألف شخص من مقاتلي داعش وعائلاتهم ومتهمون في الانتماء لتنظيم داعش في مخيمات ومراكز احتجاز غير نظامية تابعة لقواتها. وبحلول عام 2025 انخفض عدد المحتجزين إلى حوالي أربعين ألف محتجز، لكن الأزمة الأمنية والقانونية والإنسانية لم تزل قائمة بسبب غلبة العنصر الأجنبي بين المحتجزين في هذه المراكز ووجود أعداد كبيرة من النساء والأطفال وتزايد محاولات تهريبهم. تصاعدت الانتقادات في السنوات الماضية في أروقة الأمم المتحدة، حيثُ وصف خبراء حقوق الإنسان هذه المراكز بأنّها “غوانتانامو أوروبي” شمال شرق سوريا.
ضمن هذه الخلفية العسكرية والسياسية، يشرح التقرير التهديدات الأمنية من بقاء مراكز الاحتجاز مركزاً على تهديد قصير المدى يكمن في محاولات هروب جديدة من المعتقلات ينفذها مقاتلو تنظيم داعش بالتعاون مع خلايا نائمة خارج مراكز الاحتجاز كما حدث عام 2022، وتهديدات أخرى تتمثّل في انهيار أمني في مناطق سيطرة قوات قسد نتيجة ضعف منظومة الدعم الدولي والإقليمي التي تعتمد عليها قوات قسد، بالإضافة لخطر نشأة أجيال تتربى على التطرف داخل المخيم.
يقترح التقرير حُلولًا على المستويين الدولي والمحلي من أجل حل مشكلة مخيم الهول والمخيمات ومراكز الاحتجاز غير النظامية المشابهة له في مناطق قوات قسد. يمكن للمجلس العلمي السوري أن يساهم في معالجة هذا الملف من خلال تقديم استشارات سياساتية متخصّصة الجهات المعنية في آليات إغلاق المخيمات، والمساهمة في تصميم برامج الإصلاح وإعادة الدمج استنادًا إلى معارف العلاقات الدولية ودراسات التطرف والاعتدال في العلوم السياسية وعلم الاجتماع، كما يمكن تقديم الاستشارات في إدارة مراحل الإغلاق.
وبالرغم من تركيز التقرير على الأبعاد السياسية والأمنية، فإنّ البعد الأخلاقي في جوهر مقترح إغلاق مراكز الاحتجاز غير الرسمية في مناطق سيطرة قوات قسد. يتعيّن على سوريا أن تعود إلى ركب الدول الحضارية التي تحترم سيادة القانون على أراضيها، وأن تتّخذ موقفًا حازمًا ضد أي انتهاكات للقانون. كما يجدر أن تدرك الدول الأوروبية أنّ تصدير مخاطرها الأمنية خارج حدودها بهذه الطريقة، لا يُسهم في حَلِّ هذه القضايا على المدى الطويل، بل يعقد مشهد المخاطر الأمنية الإقليمية والعالمية. والأهم من ذلك، هو تبعات هذه السياسات على المجتمع السوري. إنّ فشل سياسة الاعتقال من غير محاكمة المتبعة حالياً في مناطق سيطرة قوات قسد، سوف يُعرّض الشعب السوري لمزيدٍ من المخاطر، كما يتجلى ذلك في محاولات الهروب من مراكز الاحتجاز، والتي كان آخرها عام 2022. وعليه، يتعيّن على الدول الأوروبية أن تضرب مثالًا يُحتذى به من خلال استكمال عملية إعادة مواطنيها من مقاتلي تنظيم داعش وعائلاتهم، ومحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعبين السوري والعراقي، والتوقف عن دعم قسد في احتجاز المواطنين السوريين والأجانب دون محاكمة.
لا بد لسوريا بعد حكم الدكتاتورية البعثية، أن تعود دولة تحترم القانون، لا يحق اعتقال السوري فيها إلا بمذكرة قضائية صادرة عن القضاء السوري، ولا يجوز أن يكون فيها مراكز احتجاز غير رسميّة.
المؤلف:
مصطفى قره حمد، ماجستير العلوم السياسية من جامعة زيغن وخريج برنامج دراسات عليا في سياسات ما بعد الصراع من جامعة كونستانس في ألمانيا. طالب دكتوراه في جامعة غوته في فرانكفورت. يعمل كاستشاري في الهيئة الفدرالية للعمل في ألمانيا. باحث غير مقيم في معهد دراسات السلام في فرانكفورت. مؤسس شريك لعدة مشاريع في الجمعية الألمانية السورية للبحث العلمي.
التدقيق العلمي:
د. علي سهو
التدقيق اللغوي:
المقدمة:
يعرض هذا التقرير مشكلة المُحتجزين من المقاتلين السابقين لما يسمّّى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وبعض المتهمين بالانتماء إليه، وعائلاتهم، الّذين يُحتجزون دون محاكمة في مراكز الاحتجاز التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تُدير هذه المراكز القوات العسكرية الرسمية، المعروفة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تَأَسَّسَت عام 2015 وسيطرت على المنطقة منذ عام 2019. ويُعتبر مخيم الهول أكبر مراكز الاحتجاز. تتمثل المشكلة بأنّ أغلبية المحتجزين في هذه المراكز هم من الأجانب، وفيهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال. وبينما ترفض الدول إجلاء رعاياها بشكل كامل، شهدت هذه المراكز محاولات متكررة للهروب من قِبَل بعض المحتجزين.
يستعرض التقرير المخاطر الأمنية الناجمة من بقاء مراكز الاحتجاز، كما يقدم التقرير عدة اقتراحات على المستويين الدولي والمحلي من أجل حل مشكلة مخيم الهول ومراكز الاحتجاز غير النظامية المشابهة في مناطق قسد، ويختتم التقرير ببيان دور المجلس في المساهمة بحل هذه المشكلة.
عرض المشكلة:
منذ الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش عام 2019، أصبحت منطقة شرق سوريا بكاملها تحت سيطرة قسد التي تأسّست عام 2015. وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2019، احتُجزَ وقتها حوالي 70,000 شخص، كان معظمهم من النساء والأطفال دون سن الثانية عشرة عامًا، في مخيم الهول الذي تديره قسد، والذي يُعد الأكبر (وإن لم يكن الوحيد) من بين مراكز احتجاز معتقلي داعش في شمال شرق سوريا. وبحلول نهاية المعارك ضد داعش في آذار 2019، أعلن مسؤولون من قسد أنّهم أسروا ثمانمئة (مواطن أوروبي ممن قاتلوا ضمن صفوف التنظيم “داعش“. شهد مخيم الهول انخفاضًا تدريجيًا في أعداد المحتجزين في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قدّرت منظمة أطباء بلا حدود (MSF) في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عدد محتجزي المخيم بحوالي 53,000 شخص، 64% منهم من الأطفال (حين صدور التقرير)، العديد منهم وُلدوا داخل المخيم . بحلول بداية
عام 2025، انخفض عدد المحتجزين إلى نحو أربعين ألف شخصٍ ، ويعزى هذا الانخفاض إلى أسباب متعددة منها هروب أعداد من المحتجزين في السنوات السابقة أو بسبب استعادة بعض الدول لرعاياها، و بحسب التوزيع الديموغرافي للمحتجزين في المخيم بتاريخ كتابة التقرير، يُشكّل العراقيون النسبة الأكبر ، حيثُ بلغ عددهم نحو ثمانية عشر ألف عراقي (ما يعادل ن 45% من إجمالي سكان المخيم).، يليهم السوريون في المرتبة الثانية يُقّدر عددهم بنحو ستة عشر ألفاً وسبعمئة وعشرة سوريين ( ما يُعادل41%من إجمالي محتجزي المخيم، يليهم ستة آلاف وستمائة واثنا عشر محتجزاً من سبع وأربعين دولة مختلفة، ويشمل ذلك مواطنين من فرنسا، السويد، هولندا، روسيا، وتونس؛ وتُمثّل هذه الجنسيات مجتمعةً تنحو 16.53% من إجمالي محتجزي المخيم؛ ثلثي هؤلاء الأجانب هم من الأطفال دون سن السابعة عشرة.
كيف يُشكّل هذا الملف تحديًا لسوريا؟
– على المستوى الوطني، يُمثل استمرار هذا الوضع انتهاكًا لمبادئ العدالة وإضعافاً لسيادة القانون في سوريا، حيث يُبقي على حالة الاعتقال التعسفي دون محاكمة على فئة من السوريين والأجانب، ويُرسّخ فكرة إبقاء بعض الأفراد خارج نطاق المساءلة القانونية. كما أن وجود هؤلاء المحتجزين ضمن بنية أمنية هشة لمراكز الاحتجاز التي تدار بقوات غير نظامية، يفتح الباب أمام حوادث هروب متكررة، تهدد الأمن المحلي، وهو ما حدث بالفعل في أكثر من مناسبة، آخرها عام 2022.
– على المستوى الإقليمي، تشكل مراكز الاحتجاز الخاضعة لسيطرة قسد خطرًا أمنيًا أكثر من كونها حلًا، ليس فقط على سوريا بل على القوى الإقليمية ضمن سيناريو هروب المحتجزين من مخيم الهول وإفلاتهم من العدالة. تُظهر التطورات في شمال شرق سوريا في السنوات الأخيرة، أن داعش حاول إعادة تنظيم صفوفه بعد انهياره عام 2019، ويتجلى ذلك من خلال الهجوم الواسع النطاق على سجن غويران في الحسكة في كانون الثاني/ يناير 2022.
– على المستوى الدولي، فتكمن المشكلة فيتنصل الدول من مسؤولياتها تحت ذرائع أمنية، حيثُ رفضت العديد من الدول، خصوصًا الأوروبية، استعادة مواطنيها من المخيم، ما يُحمّل سوريا عبئًا سياسيًا وأمنيًا وإنسانيًا متزايدًا. هذا الرفض الأوروبي يعقّد جهود الحل، ويُحول المخيم بشكل خاص وسوريا بشكل عام إلى مشكلة دولية تتقاطع فيها مسؤوليات الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين. أهم هذه المشاكل بالنسبة لسوريا هو التعامل مع الرغبة الأوروبية لـ “تصدير” أزماتها الأمنية مع مجموعة من مواطنيها ليتم التعامل مع هؤلاء المواطنين خارج سلطة القانون على الأراضي السورية، حيثُ تتحوّل سوريا إلى سجن للعناصر الخطرة. وبتعاطيها هذا، تشجع الدول الأوروبية دولاً أخرى لها مواطنين محتجزين في مخيم الهول إلى التعامل مع سوريا بطريقة مماثلة، مما يحد من سلطة القانون في سوريا.
أولًا- الوضع الراهن لمخيم الهول:
– غوانتانامو أوروبي في سوريا؟
بالرغم من الدعوات الأوروبية السابقة للولايات المتحدة لإغلاق معتقل غوانتانامو، الذي أُسّسَ قبل ما يزيد عن عشرين عامًا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، إلا أنّ دولًا أوروبية عديدة تدعم استخدام مراكز احتجاز مشابهة في سوريا بطريقة غير مباشرة.
وصفت المفوضة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان عام 2020، فيونولا ني أولين (Fionnuala Ní Aoláin)، مراكز الاحتجاز في مناطق قسد في سوريا بأنّها”غوانتانامو