المزيد
من الخيارات

إعادة دمج الأطفال العائدين من الدول غير العربية في نظام التعليم في سوريا

إعادة دمج الأطفال العائدين من الدول غير العربية في نظام التعليم في سوريا
التصنيف: لجنة التعليم والعلوم الاجتماعية
تاريخ النشر مارس 30, 2025
المحرر: Rannem Bakir

إعادة دمج الأطفال العائدين من الدول غير العربية في نظام التعليم في سوريا

المقدمة: 

تمثّل عودة العديد من الأطفال السوريين مع أُسرهم من الدول غير العربية إلى سوريا تحدّياً تعليمياً ومجتمعياً، حيث سوف يواجه الأطفال __ خاصة الّذين يعانون من ضعف في اللغة العربية أوالّذين تلقّوا تعليمهم وفق مناهج أجنبية___ صعوبات جمّة  في إعادة الإندماج في المجتمع والنظام التعليمي السوري. 

يُعدُّ عائق اللغة واختلاف المناهج الدراسية في البلدان الأجنبية التي عادوا منها عن المنهاج السوري أبرز التحديات. هذا قد يكون له أثر ليس فقط على تحصيلهم العلمي، بل  أيضاً على اندماجهم الاجتماعي والثقافي والنفسي. كما  يواجه الأهالي أيضاً تحديات كبيرة عند اتخاذ  قرار العودة لا سيّما فيما يتعلّق بمستقبل تعليم أطفالهم. 

تتسم عملية إعادة الإدماج بكونها عملية متعددة الأبعاد،  تتطلب تضافر جهود جميع  الأطراف  المعنية  ووضع خطة شاملة تغطي كافة المستويات والمراحل، لضمان تلبية احتياجات الأطفال العائدين وأسرهم.  ولا بدّ أن تبدأ هذه العملية في مرحلة مبكرة، حتّى قبل مغادرة الطفل للبلد المضيف، وليس بعد العودة للبلد الأم فقط. وهذا يستلزم اتخاذ ترتيبات مسبقة  في البلد المضيف، إلى جانب  توفير بيئة داعمة  ملائمة في البلد الأم سوريا تستقبل العائدين. ويجدر التنويه أنّ الاستثمار في دعم هؤلاء الأطفال سيعود  بنتائج إيجابية على المدى الطويل، مساهماً في بناء  مستقبل  أفضل لهم وللمجتمع ككل.

يستعرض هذا التقرير جملة التحدّيات، ويطرح حلولاً مقترحة كما يقدّم تجارباً ناجحة في  دول أخرى. وختامًا، يقدّم حزمة  توصيات عملية لمعالجة هذه الإشكالية بشكل منهجي. 

الوضع الحالي:

في الوضع الراهن تنصب الأولوية التعليميّة العاجلة في سوريا على محورين رئيسيين: إعادة تأهيل البنية التحتية للمدارس من جهة، وإعادة دمج الفئات الأكثر هشاشة من الأطفال من جهة أخرى.  وتشمل هذه الفئات بشكل خاص الأطفال المهجرين في المخيمات أو النازحين داخل سوريا،  الذين انقطعوا عن التعليم لسنوات طويلة،  أو  تلقوا تعليماً محدوداً عبر برامج غير نظامية خارج إطار المنهج الوطني الشامل، وذلك في دول الجوار. فيما تولي المنظمات الدولية مثل اليونيسيف اهتماماً لدعم هكذا  برامج. يظلُّ  موضوع إعادة دمج الأطفال العائدين  من الدول غير العربية _ والّذين تلقَوا تعليمهم  وفق مناهج أجنبية_  يحظى باهتمام أقل ولا يُعَدُّ من الأولويات التعليمية الراهنة. ويترتب على ذلك غياب  السياسات الواضحة  والمناهج  المتخصّصة، بالإضافة إلى نقص الكوادر المدربة لاستيعاب هؤلاء الطلاب ذوي الخلفيات التعليمية المختلفة. ورغم أنّ أعداد العائدين من الدول غير العربية لا تزال أقل مقارنة بأعداد العائدين من دول الجوار، إلّا أنَّ هذه  الأعداد قد تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في ظل  تطبيق برامج العودة الطوعية أو عمليات الترحيل الإجباري من العديد من الدول الأوروبية. مما يستدعي وضع خطة استباقية وسيكون هناك حاجة لخطة استجابة لإدماج هذه الفئة وخاصة الأطفال منهم، في النظام التعليمي السوري.  وتشير أحدث الإحصاءات الصادرة عن  منظمة الهجرة الدولية في السابع من آذار/مارس إلى عودة  ما مجموعه 571,388 فرداً إلى سوريا من خارجها منذ يناير/كانون الثاني 2024.

تُفيد البيانات الصادرة و الإحصائيات المتاحة مثلاً من قبل الأمم المتحدة و المنظمات الدولية  أنّ غالبية حالات العودة هي من الدول المجاورة الناطقة بالعربية، حيثُ تتصدّر لبنان بنسبة خمسين بالمئة، يليها العراق بثلاثة عشر بالمئة   ثُمّ الأردن بستة بالمئة. أمّا بالنسبة للعائدين  من الدول غير الناطقة بالعربية، فتقتصر المعلومات على إدراجهم ضمن فئة “دول أخرى” بنسبة تسعة بالمئة،  باستثناء تركيا الّتي ذُكرت بشكل صريح بنسبة اثنين وعشرين بالمئة . بشكل عام هناك قصور واضح بالبيانات المتاحة حول العائدين والتصنيفات، إذ تفتقر البيانات مثلا الى تفصيل الفئات العمرية، ولا يوجد إيضاحات حول أعداد الأطفال العائدين مع ذويهم من الدول الأجنبية غير العربية ممّا يُشكّل عائقاً أمام وضع خُطط دقيقة لإعادة دمج هذه الفئة في النظام التعليمي السوري. 

 تتمتّع هذه   البيانات الإحصائية بأهمّيةٍ بالغة في تشخيص  الواقع التعليمي وووضع  خطة استجابة فاعلة حيثُ  تمكّن هذه الأرقام   الجهات المعنية من تحليل جغرافي دقيق من خلال تحديد  المحافظات والمناطق ذات الكثافة العالية  للعائدين وعبر إجراء استبيانات شاملة تتناول التوزيع العمري  بل للأطفال العائدين، و مستوياتهم التعليمية، واللغات التي يجيدونها  ووضع خطة استجابة متمايزة وذلك يكون بتصميم برامج تعليميّة تستجيب لاحتياجات كل منطقة مع مراعاة الفروق اللغوية والفجوات التعليمية، وبهذا يُضمن جهود إعادة الدمج التعليمي مع الخصائص المحليّة لكل منطقة. 

الشكل (1) المصدر، منظمة الهجرة الدولية- IOM

 يتطلّب هذا الأمر إرساء آلية تعاونية فعّالة تعزّز  التنسيق بين جميع الأطراف المعنية على مختلف المستويات، بما في ذلك، الجهات الفاعلة المعنية  في إعادة الدمج  وسلطات الهجرة المحلية والدولية والوزارات ذات الصلة والمنظمات الدولية. مع ضرورة وضع  إطار عمل متكامل  يشمل نظامًا لمراقبة وتقييم أوضاع العائدين  وآلية منهجيّة لجمع البيانات الدقيقة عنهم وتصميم استبيانات أوليّة تتناول المستوى التعليمي لكل طفل ودرجة إتقان الّلغة العربية و الكفاءة في الّلغات الأجنبية. حيث يُعَدُّ التحديث المنتظم والدقيق عاملًا حاسمًا في  تقييم الاحتياجات التعليمية العاجلة ووضع الخطط الاستباقيّة وتصميم البرامج التعليمية المتخصّصة وتوزيع الموارد المدرسية  والكوادرالمؤهّلة جغرافياً. يجب أن تتحمّل الجهات التالية مسؤولية توفيرهذه البيانات وتنسيقها بما في ذلك الحكومات المحليّة والوطنية  وسلطات الهجرة  ووزارة التربية والتعليم والمنظّمات الإنسانية العاملة في هذا الميدان.

وفقًا لأحدث تقرير صادر عن  منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة في  شهر شباط/ فبراير 2025 حول حركة النزوح الداخلي والعائدين من الخارج، سجلت أعلى نسب للعائدين من خارج سوريا في المحافظات التالية حسب الترتيب: ريف دمشق( النسبة الأعلى)، تليها حلب، ثم حمص و درعا. على سبيل المثال، تُتيح لوحة معلومات منظومة تتبع النزوح في سوريا (DTM) الّتي توفّرها المنظمة الفلترة حسب المحافظات والمناطق، من أجل استخلاص بيانات دقيقة عن العائدين عبر آليات الفلترة المتقدّمة:لمعرفة أعداد العائدين إلى مناطق محدّدة.  فعلى سبيل المثال: تُظهر البيانات المسجّلة في منظومة (DTM) عودة 353 شخصاً إلى منطقة التضامن  في مخيم  اليرموك   التابع  لمحافظة دمشق، هذه البيانات مهمة وخاصة اذا تم جمعها مع إحصائيات  بتفاصيل دقيقة حول العدد الفعلي للأطفال بين هؤلاء العائدين والخصائص التعليمية الأساسية لهم، الّتي تتمثّل في مستوياتهم التحصيلية وفجوات التعليم واحتياجاتهم اللغوية.

وفي هذا الصدد، تؤكد النتائج – كما سُلف في التقرير – على الأهمية القصوى لـ تركيز الجهود  على المناطق ذات الكثافة العالية  للأطفال العائدين وصياغة استراتيجيات استجابة تربوية قائمة على الأدلة وشاملة للجوانب التعليمية والنفسية وقابلة للتطبيق وفق الأولويات.

A graph of a number of passengers

AI-generated content may be incorrect.

الشكل (2) المصدر، منظمة الهجرة الدولية- IOM

التحديات الرئيسية في عملية إعادة الدمج التعليمي :

على صعيد التحصيل العلمي،  تُشكّل التحديات اللغوية العائق الأكبر بالنسبة للأطفال، حيثُ قد يواجه الأطفال  صعوبة فهم اللغة العربية واستخدامها كلغة تعليمية رئيسية في الصفوف الدراسية، مما يعيق قدرتهم على التحصيل الدراسي ومتابعة الدروس بفعالية والمشاركة الصفيّة وفهم المصطلحات العلمية والتفاعل الاجتماعي أيضًا. يُمثّل اختلاف المناهج الدراسية عائقاً إضافياً يواجه الأطفال، حتى في حال إجادتهم  اللغة العربية، ويعودُ ذلك إلى الفروق الجوهرية  في المحتوى   العلمي للمناهج وأساليب التعليم والتدريس وأنظمة الامتحانات والتقييم. وهُناك تحدّيات هيكليّة تتمثّل في نقصٍ  في الكوادرالتعليميّة المتخصصة، ومحدودية عدد  المدارس العاملة  وضعف البنية التحتية التعليميّة. هذا بالإضافة إلى المعوّقات البيئيّة المتعدّدة، وأبرزها: ضعف  القدرة الاستيعابية للنظام التعليمي وشح الموارد المالية والإرشادات التوجيهية، ممّا  يجعل عملية إعادة الدمج التعليمي مهمة شديدة التعقيد وتحدّيًا  متعدّد  الأبعاد يشمل  الأطفال وذويهم والحكومة السورية والهيئات المسؤولة وكافة الأطراف المعنية.

على الصعيدين الاجتماعي والثقافي، تكمن التحديات في اختلاف البيئة الثقافية أو ما يُسمّى التباين الثقافي، حيثُ تختلف بعض القيم والعادات الاجتماعية بين بيئة المنشأ وبيئة العودة ويواجه الأطفال صراع الهوية الثقافية،  ممّا يُصعّب على الأطفال تكوين علاقات  الصداقة مع الأقران والاندماج مع البيئة المحيطة. 

– أما على الصعيد النفسي، تتجلّى  التحديات في زعزعة استقرار الطفل النفسي والعاطفي. إذ يتولّد لدى الأطفال معاناة من الشعور المزمن  بالغربة وصراع بين الهويتين القديمة والجديدة وصعوبة تقبّل  الذات في البيئة الجديدة.    و في خضم كل هذه التغييرات الجذريّة يواجه  الأطفال ضغوطات التكيف المفرطة وإعادة الإندماج والتقبل وتحديات التأقلم المتزامنة مع متطلبات في التحصيل الدراسي، ممّا يؤدّي إلى تدنّي ملحوظ  بالثقة بالنفس واحترام الذات  والخوف الدائم من الفشل وصعوبات في التعبير عن المشاعر والانخراط الاجتماعي.

الحلول  والخطة المقترحة:

يقترح هذا التقرير  حُزمة حلول متكاملة على  مستويات مختلفة . على المستوى الدراسي والعلمي: 

1- إدراج صفوف تحضيرية  للغة العربية ضمن المدارس الحكومية

يجب أن تُخصّص  حصص يوميّة مُكثّفة  لتعليم  اللغة العربية للأطفال العائدين في المدارس الحكومية بموجب قرار حكومي رسمي من وزارة التربية والتعليم لإلحاق  الأطفال السوريين العائدين من دول غير ناطقة بالّلغة العربية، مع مراعاة الفروق العمرية والمستويات التعليميّة. كذلك يجب أن تكون برامج ودورات دعم اللغة العربية مكثفة و تناسب جميع المستويات والأعمار المختلفة بطرق محفزة تشجع الأطفال على حب وتعلم اللغة العربية بسلاسة. إن تعلم اللغة العربية وإتقانها يعتبر المفتاح الأساسي لسهولة إعادة ادماج الأطفال بسلاسة في النظام التعليمي، المجتمع والبيئة المحيطة وتكوين صداقات وتعزيز التواصل.

2- صفوف جسرية بكافة المواد داخل المدارس العامة

-أولاً، يُنصح بإنشاء صفوف جسرية مؤقتة توفر دروس استقبال وتحضير في المدارس النظامية المحلية تغطي فصل أو عام دراسي أو سنتين أو حسب مستوى وحاجة الأطفال للدعم بشتى المواد. تشمل مناهج مبسطة للعربية كلغة ثانية تراعي مهارات الأطفال اللغوية  وتعتمد على التعليم التفاعلي ومواد مرئية ومصورة وصوتية وتعليم مفردات المواد الدراسية مع التركيز على تقوية اللغة العربية وتكثيف الحصص وإمكانية الدعم النفسي لضمان دمج الأطفال ودخولهم بشكل تمهيدي وسلس بنظام التعليم الوطني ولدعم تأسيسهم بشكل صحيح بعد سنوات من الاغتراب. 

هذه الصفوف يُنصح أن تدرس مناهج تعليم مطورة، انتقالية، تأهيلية ومبسطة أو معدلة عن المنهاج السوري و تقدم خطط دراسية مرنة خاصة للأطفال العائدين من الخارج إلى سوريا لتسهيل التكيف مع المنهاج التعليمي الوطني وتتناسب مع مستواهم التعليمي والمعرفي واللغوي.

– كذلك من المهم خلق آلية تعاون وتعزيز التنسيق على مختلف المستويات والمراحل بين جميع الجهات الفاعلة المعنية بإعادة الإدماج والتعليم كالوزارات والمجتمع المدني والمنظمات الدولية. على سبيل المثال، يمكن تطوير برامج على غرار “المنهج ب “ أو المنهاج المكثف المعجل وبرامج التعليم الذاتي المعتمدة من قبل اليونيسف التي تساعد الأطفال الذين بسبب النزوح واللجوء فاتتهم سنوات من التعليم من اللحاق مجدداً والاندماج في نظام التعليم الرسمي. مثال آخر يكمن في برامج الاستعداد المدرسي التي نُفذت في لبنان للأطفال السوريين اللاجئين، بإشراف منظمات مثل اليونيسف والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات المجتمع المحلي لتحضير الأطفال السوريين اللاجئين لدخول المدارس العامة في  لبنان.

– توفير مدرسين متخصصين بمهارات التعامل في حالات الأطفال القادمين من أنظمة تعليمية مختلفة. حيث يجب تنظيم دورات تأهيل وتدريب للمدرسين المحليين لسد النقص وتطوير المهارات بما يتناسب مع الوضع الراهن. ويمكن الاستفادة من خبرات وكفاءات المدرسين السوريين في الخارج لتنظيم دورات تدريبية وورش عمل وجلسات استشارة ومتابعة تطوعية. هنا أيضاً يجب التأكيد على أهمية التعاون مع منظمات محلية أو دولية كاليونيسف ومنظمة إنقاذ الطفولة وغيرها حيث أن هذه المنظمات تقوم بدعم التعليم وتدريب الكوادر التعليمية على التعامل مع الأطفال المنقطعين عن الدراسة وتهيئتهم للاندماج بنظام التعليم الوطني، يمكن التعاون مع هذه المنظمات واقتراح توسيع تدريب الكوادر ليشمل تعليم العربية كلغة ثانية و التعامل أيضاً مع الأطفال العائدون من الخارج  والدارسين لمناهج أجنبية مختلفة.

3- مدارس خاصة متعددة اللغات

بسبب انفتاح الأطفال العائدين من الخارج على العديد من الدول والتنوع الذي يحصل في سوريا بعد عودة المهجرين يجب السماح للقطاع الخاص إنشاء مدارس خاصة نموذجية متعددة اللغات خاصة في المدن الكبيرة أو حيث هناك أعداد كبيرة للأطفال العائدين تقدم برامج تعليمية تراعي التنوع اللغوي والثقافي وتقدم تعليم ثنائي اللغة (كالتركية والألمانية والسويدية) بالإضافة للعربية. هذه المدارس تكون لفترة أطول وتساعد الأطفال بالحفاظ على مهارة اللغات الأجنبية المكتسبة بالإضافة لتعلم وتطوير اللغة العربية على أن يتم دمج الطلاب بالكامل لاحقاً في امتحانات الشهادة العامة. ممكن لهذه المدارس أن تدرس إما نفس المنهاج الحكومي بلغات مختلفة أو مناهج أخرى خاصة أو دولية.

على المستوى الاجتماعي والثقافي

– يجب أن تشمل خطة إعادة الدمج أنشطة التكامل الاجتماعي المصممة لتكوين شعور بالانتماء والاندماج بالمجتمع والبيئة المحيطة. مثلاً إشراك الأطفال بأنشطة خدمة المجتمع، وحضور المناسبات الاجتماعية أو المشاركة في الأنشطة الرياضية والثقافية. هنا يأتي أولاً دور  الحكومة والوزارات المعنية  بتسهيل وتشجيع عمل المجتمع المدني والمدارس والمجتمعات المحلية في عمل أنشطة مدرسية ومجتمعية جماعية وتوفير بيئة للتعاون والتواصل وبناء الصداقات ودمجها بأنشطة ثقافية وفنية ترفيهية تعزز التفاهم المتبادل والتقبل للتنوع وللتجارب والخلفيات الثقافية المختلفة. يمكن تطبيق أفكار بسيطة وغير مكلفة مع الأخذ بالاعتبار الوضع في سوريا بالنسبة للتمويل والتكاليف. على سبيل المثال يمكن بدعم من وزارة الثقافة والشؤون الاجتماعية وبالتعاون مع البلديات والمجتمع المدني تنظيم فعاليات تشجع الأطفال العائدين على التحدث عن طبيعة وثقافة البلدان التي عاشوا فيها ويقوم الأطفال المحليين بالتعريف عن البيئة والثقافة بسوريا. أو يمكن تطبيق ذلك أيضاً من خلال معارض رسومات وغيرها من الأنشطة والفعاليات المختلفة. ويمكن تطبيق مبدأ التوجيه الذي يستخدم في المجال الوظيفي في الشركات حيث يتم تعيين موظفين قدماء للترحيب وتوجيه الموظفين الجدد، بالمثل يمكن عمل برامج دعم اندماج داخل المدارس بتعيين أطفال محليين ليكونوا أصدقاء مقربين للأطفال العائدين وارشادهم ومساعدتهم على التأقلم بسرعة، فهم العادات الاجتماعية وتكوين صداقات. مثال آخر يمكن عمل جلسات تعريفية وحملات للمساهمة في العمل الجماعي التطوعي  منسقة على مستوى المنطقة من قبل البلديات أو المجتمع المحلي أو المراكز الثقافية مما يعزز الشعور بالمسؤولية والانتماء.

  • على صعيد الأسرة: 

يلعب الأهل دوراً مهماً واساسياً في تسهيل اندماج أطفالهم قبل وبعد العودة لسوريا، يتحمل الأهل مسؤولية قرار العودة من لحظة تواجدهم بالخارج ويجب البدء بخطوات تمهيدية قبل العودة حيث يقع على عاتقهم تهيئة الطفل نفسياً وتوعوياً وأكاديمياً والحرص على تعلمهم للغة العربية قبل العودة للبلد الأم، وفي حال توفر الإمكانية في دول الخارج للاستفادة من جلسات استشارية أو المشاركة ببرامج ارشادية تساعدهم على دعم أبنائهم بشكل فعال قبل وبعد عملية الانتقال من بلد لبلد آخر. بعد العودة، تقع المسؤولية أيضاً على عاتق المدارس، المجتمع والدولة في دعم الأهالي العائدون وأطفالهم، من خلال توفر جلسات توعوية وبرامج إرشادية وتنظيم جلسات حوارية تقدم استراتيجيات وخطوات مساعدة تساهم بتبادل التجارب والنصائح حول كيفية التعامل مع تحديات إعادة الإدماج. يتم ذلك عادةً عن طريق تقوية العلاقة بين الأهل والمدارس واجتماعات شهرية لمتابعة وتقييم تقدم الأطفال وعن طريق المجتمع المحلي من خلال التواصل والتعاون وتوفير الدعم والأنشطة المختلفة.

يُنصحُ بتوفير كتيبات، معلومات أون لاين، فيديوهات إرشادية وخطوات توجيهية من قبل الجهات المعنية وعلى المواقع الرسمية ومن قبل المدارس لمساعدة الأهالي وأطفالهم على إعادة الإدماج والمدارس والبرامج المتاحة. تَوفٌر معلومات كافية قبل العودة عن نظام التعليم والدراسة، المدارس المتوفرة وأوضاع بعض المناطق والظروف المعيشية. تسهيل العراقيل الإدارية بما يخص الأوراق والمستندات وتعديل الشهادات وكل ما يخص تسهيل عودة الأهالي وتسجيل الأطفال بالمدارس وإعادة اندماجهم. إن نقص المعلومات المتوفرة للأهالي قبل العودة وخاصة  على المواقع الحكومية الرسمية كموقع وزارة الداخلية ووزارة التعليم والتربية أو مواقع السفارات السورية في الخارج قد لا يشجع على العودة. يجب توفر معلومات او الإشارة الى مواقع ومنظمات توفر هذه المعلومات مثل موقع سوريا هي الوطن من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذي يقدم معلومات وإجابة عن الأسئلة حول الإجراءات والخدمات المتاحة لدعم رحلة  العودة الى سوريا.

على مستوى الاستقرار العاطفي والنفسي:

بعد سنوات من الصراع، يعتبر توفر أخصائي دعم نفسي داخل المدارس أمر هام وضروري في سوريا لمساعدة الأطفال جميعاً وخاصة الذين عاشوا الصراع داخل سوريا أو في المخيمات، ولكن هذا قد لا يولى الأهمية في ظل غياب الأساسيات في بلد مدمر والأولويات هي توفير فرص التعليم وإعادة بناء البنية التحتية والمدارس وسد النقص في كوادر المدرسين وغيره.

يمكن البدء بإدراج برامج الدعم النفسي داخل المدارس بحيث يساعد على إعادة ادماج أسهل للأطفال سواء المنقطعين عن الدراسة النازحين داخلياً أو الأطفال العائدون من الخارج. اليوم هناك حاجة حقيقية لإعطاء أولوية واهتمام بهذا الجانب لضمان مستقبل صحي وسوي للأطفال والمجتمع. يمكن الاستعانة بخبرات السوريين المختصين بالخارج والمستعدين لتقديم المساعدة التطوعية عن بعد أو حتى توفير فرص تدريب وتخصص داخل المدارس للطلاب الأكاديميين المحليين من الاختصاصات النفسية للحصول على الخبرة مقابل تقديم الدعم النفسي في المدارس. يمكن أيضاً تدريب الكوادر التعليمية والمدرسين على أساليب التعامل مع الأطفال الذين عاشوا الصراع في الداخل والمنقطعين عن الدراسة  و الأطفال العائدين من الخارج الذين يكون عندهم مشكلة بالاندماج والانتماء حيث  يجب اتباع أسلوب تدريس مرن وداعم وفهم المشكلات السلوكية والتعامل معها بصبر وإيجابية وعمل تمارين وأنشطة دعم عاطفي ونفسي بأقل التكاليف وبطرق وأدوات بسيطة عن طريق التحدث، الرسم والتعبير. 

ختاماً، أحد الجوانب الحاسمة في عملية إعادة الإدماج هو مشاركة أسرة الفرد حيث يلعب العائلة والأقارب المباشرين دور حاسم بتعزيز إحساس الانتماء ودعم عملية إعادة الإدماج. بالإضافة لتدريب الكوادر يجب دعم الأهل بخطوات ومعلومات إرشادية والتأكيد على اشراكهم ودعمهم.

التجارب الدولية: 

إن عملية إعادة إدماج الأطفال العائدين هي عملية تتطلب تخطيطاً دقيقاً متعدد الأبعاد ومشاركة نشطة لمختلف الجهات المعنية. في حين أن أساليب إعادة الإدماج قد تختلف من بلد إلى آخر، لكن يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى والاستراتيجيات الناجحة والممارسات الجيدة في إعادة إدماج الأطفال العائدين في دول تعرضت أيضاً للصراعات وبذلت جهود للنجاح بإعادة الإدماج.

من هذه الدول على سبيل المثال البوسنة والهرسك، حيث واجه نظام التعليم في البلد بعد الصراعات تحديات كثيرة منها اعتماد نظام تعليم قديم بحاجة للتطوير غير موحد ولا يتناسب مع وضع البلاد بعد النزاعات. ولمواجهة تلك التحديات وانجاح الادماج تم الالتزام بالأطر الدولية لحقوق الإنسان واتباع خطة شاملة ومتكاملة في إطار قانوني لإعادة بناء نظام التعليم واندماج الأطفال شملت تقييم الاحتياجات التعليمية، توفير دعم لغوي، تدريب المعلمين، وتقديم دعم نفسي واجتماعي. تم تطوير مناهج تعليمية بما يتلاءم مع الحاجة ,التنوع والوضع في البلاد. بالإضافة لتدريب وتعزيز قدرات الكوادر التدريسية وتطوير أساليب التدريس. وتم التركيز على التغلب على عائق اللغة وتخصيص فصول دعم لغة خاصة وتشجيع الأطفال على التواصل. وكان للمدارس أيضاً دور أساسي في توفير بيئة آمنة وصحية، توفير فصول خاصة وأنشطة ثقافية والتعاون مع أهالي الأطفال وهيئات الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية وخدمات الصحة النفسية بما يخدم مصلحة الأطفال ويسهل إعادة اندماجهم.

 المنظمات الدولية كان لها دور أيضاً بالمساهمة بإصلاح نظام التعليم وقدمت المساعدة ومقترحاتٍ لتطوير المناهج ولمواءمة السياسات التعليمية في البوسنة والهرسك مع المعايير الدولية. في عامي 2001 و2002، أطلقت المفوضية الأوروبية برنامج لدعم إصلاح التعليم في البوسنة والهرسك. هدف البرنامج إلى تعزيز التعاون بين الحكومة وأصحاب المصلحة بمشاركة خبراء دوليين. عُقدت ست ورش عمل (منها ورشة عمل عودة اللاجئين) لمناقشة الأهداف والاستراتيجيات، وشارك فيها أكثر من 100 معلم وخبير تربوي. وبالرغم من التحديات، ساهم البرنامج في وضع استراتيجية تحديث التعليم، التي أدت لاحقًا إلى إصدار القانون الإطاري للإصلاح التعليمي. أيضاً أنشأت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مجموعة لتنسيق الجهود الدولية في إصلاح التعليم وتقديم المشورة لوزارة التعليم، وبدأت في 2002 صياغة وتنفيذ قوانين جديدة للتعليم. شكل تدريب المعلمين تحدياً ولم تكن المؤسسات الحكومية المسؤولة كالمعاهد التربوية قادرة على تقديم خدمات كافية حيث ساهمت المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية في تدريب المعلمين.

دعمت الحكومة في البوسنة والهرسك عودة اللاجئين بإنشاء مدارس تراعي الفروق اللغوية والعرقية والمناهج الأجنبية، كما أنه وجب توفر ما يسمى “مدارس استقبال” في جميع المناطق، أي أن جميع الطلاب العائدين أو الوافدين الجدد، خاصةً أولئك الذين قد يواجهون تحديات لغوية أو ثقافية في الاندماج في النظام التعليمي المحلي والذين يقيمون في محيط مدرسة معينة يجب أن يلتحقوا بتلك المدرسة. تهدف هذه المدارس إلى تقديم دعم تعليمي ولغوي يساعد الطلاب على التكيف والنجاح في بيئتهم الجديدة.

التوصيات:

يبدي المجلس العلمي السوري استعداداً للمساهمة والدعم في:

– تشكيل فريق بخبرات وكفاءات السوريين المختصين والمتواجدين في الخارج لتنظيم دورات تدريبية وورش عمل لبناء المهارات ولتأهيل الكوادر المحلية لتعليم العربية كلغة ثانية وعلى التعامل مع التحديات المرتبطة بدمج الأطفال العائدين من دول غير عربية. 

– تشكيل لجنة من أخصائيين في سوريا والخارج والعمل معاً لتطوير مناهج وبرامج تعليمية تمهيدية ومبسطة.

– المساعدة في تنظيم دورات لغة عربية للأطفال لتهيئتهم حتى قبل العودة. تساعد في الاندماج تدريجياً لتجنب الصدمة الثقافية والتعليمية.

– المساهمة في نشر وإعداد كتيب ومعلومات تتوفرعلى مواقع المؤسسات الحكومية الرسمية للأهالي كدليل لهم قبل وبعد العودة بكافة الإجراءات المتبعة ونصائح حول كيفية مساعدة أطفالهم في إعادة الإدماج والمدارس والخدمات المتوفرة وعناوين منظمات تقدم المساعدة.

– تعاون مع منظمات إنسانية دولية والمانحين والعمل مع مؤسسات محلية والمجتمع المدنــي لدعم إعادة ادماج وتأهيل الأطفال بالمدارس والمجتمع وتدريب الكوادر

الخاتمة:

ركز هذا التقرير على موضوع الأطفال العائدين من دول أجنبية غير ناطقة بالعربية، إلى سوريا، ومشكلة إدماجهم بنظام التعليم والمجتمع، والتحديات على المستوى التعليمي، الاجتماعي، الثقافي والنفسي. صعوبات من قبيل صعوبة تعلم اللغة العربية واختلاف المناهج واختلاف البيئة الثقافية والمجتمع ومشاكل عدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي. كما طرح التقرير بعض الحلول على جميع المستويات لإعادة إدماج يشمل تطوير للمناهج، توفير صفوف استقبال تمهيدية ودورات دعم لغوي وأنشطة ثقافية ومجتمعية ودعم نفسي، وتسهيل افتتاح مدارس خاصة متعددة اللغات . كما ركز التقرير على أهمية تنسيق الجهود والربط بين خطوات إعادة الإدماج قبل العودة وبعدها للتهيئة ولتسهيل عملية الادماج. وعلى أهمية المتابعة والتقييم، وتوفير معلومات وتوظيف الإحصائيات والتنسيق بين جميع الأطراف المعنية لتنفيذ خطة مستهدفة وفاعلة. ذكر التقرير تجربة البوسنة والهرسك كمثال في تطوير التعليم وإعادة الإدماج بعد النزاعات. يمكن للمجلس العلمي السوري المساهمة والتعاون في تقديم المشورة لتنفيذ بعض المقترحات. 

يؤكد المجلس العلمي السوري على أهمية تشجيع عودة الأهالي واطفالهم  و دعم اندماج سلسل يساهم بخلق مستقبل أكثر استقراراً وتطوراً للعائدين والأطفال والمجتمع.

المراجع:

المؤلفون:
جمانة البرازي

ماجستير في أدب وثقافة شمال أميركا وشهادة تعليم مزدوج بدراسات ما بعد الصراع من جامعات ألمانيا. خبرة في مجال الهجرة من خلال المساعدة في دراسات وأبحاث ألمانية للقانون والسياسة الاجتماعية وإعادة الاندماج والعمل في برامج إعادة التوطين والقبول الإنساني لألمانيا وكذلك في برامج للعودة الطوعية للبلدان الأم مقدمة من الحكومة الألمانية.

التدقيق العلمي: 

د. شيماء شحنة

التدقيق اللغوي: 

محمد كرم

تم النشر ضمن لجنة التعليم والعلوم الاجتماعية
السابق
كل المقالات
التالي

كتابة تعليق